أتى عراقي عند عمر بن الخطاب، وكان أبي أبيض اللحية، وأبيض الرأس، وأبيض الثياب، بياض على بياض، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء فابيضت لحيته وابيض رأسه، قال الذهبي: دعا على نفسه بالحمى؛ لأنه سأل الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: {يا رسول الله أما يصيبنا من أمراض كفارة؟ قال إي والذي نفسي بيده يا أبا المنذر لا يصيبك هم أو حزن أو مرض، حتى الشوكة تشاكها إلا كفر الله بها من سيئاتك} فقال أبي: [[اللهم إني أسألك حمى لا تعطلني عن فريضة ولا عن حج ولا عن عمرة ولا عن جهاد]] فأصابته حمى أربعين سنة.
يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: أكسبته الحمى شراسة رضي الله عنه وأرضاه فكان يقف بجانب عمر وعمر يتحذر بالكلام إذا وُجد أبي، يراقب أبي لأن أبي سيد القراء، وأبي لحدة الحمى كان أبيض اللحية، وأبيض الرأس والثياب، نور على نور.
وكان عمر إذا تحدث يقول لـ أبي: أهكذا؟ فيقول أبو المنذر: نعم.
فيقول العراقي لـ عمر بن الخطاب: من هذا يا أمير المؤمنين؟! قال: ثكلتك أمك، أما تعرف هذا؟! هذا سيد المسلمين، أبي بن كعب يقول له صلى الله عليه وسلم: {يا أبا المنذر! أي آية في كتاب الله أعظم؟} والحديث في مسلم، فيستحي، فانظر إلى الأدب، أصبحت الفتيا عندنا تبرعاً في سبيل الله، ونتسابق في المجلس أيُّنا يفتي، ونحن نتسابق على مزلة من النار، يقول أحد التابعين: [[والله إنكم لتفتون في مسائل، لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر]] فقال: {يا أبا المنذر! أي آية في كتاب الله أعظم؟ فقال: لا أعلم، فقال الرسول: يا أبا المنذر، أي آية في كتاب الله أعظم؟ فيقول: آية الكرسي، فضرب على صدره -هذا خاتم الشهادة ووسام النبل- وقال له: ليهنك العلم أبا المنذر} إي والله، العلم الذي يحسد عليه.
{نزلت سورة البينة، والتي جاء بها جبريل، وقال: يا رسول الله إن الله يأمرك أن تقرأ هذه السورة على أبي، فذهب إلى أبي، وقال: يا أبي، أمرني ربي أن أقرأ عليك هذه السورة، فقال: وسماني؟! قال: نعم.
قال: في الملأ الأعلى، فانهد يبكي} أبي رجل من الأنصار ما كان يدرى عنه، لكن جعله الإسلام عظيماً من العظماء، فالرسول صلى الله عليه وسلم شجعه، وقال: {ليهنك العلم} وهو العلم الذي يغبط عليه، ولذلك جاء في الصحيحين {لا حسد إلا في اثنتين -يعني غبطة- رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار} وفي رواية ابن مسعود {رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق}.