وابن عباس يشجعه صلى الله عليه وسلم على العلم، ولو كان هناك أفضل من العلم، لدعا له صلى الله عليه وسلم به، يقول ابن عباس: بت عند خالتي ميمونة وأتى عليه الصلاة والسلام ورآه نائماً -وهو لم ينم، لكنه متناوم، ليرى السنة والدعاء في الليل- قال لـ ميمونة: نام الغليم؟ قالت: نعم، وهو ما نام.
نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك
قال: فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم، فذكر الله، وهلل وكبر، ثم نام، قال: حتى سمعت غطيطه -وفي البخاري خطيطه- والخطيط والغطيط صوت يحدثه النائم- فانظر إلى هذا الذكي يحفظ الغطيط والخطيط والدعاء، وآداب الوضوء، وكيف صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة.
ثم استفاق صلى الله عليه وسلم يعرك النوم من عينيه ويقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَار} [آل عمران:190] فعرف ابن عباس أن الرجل إذا قضى حاجته، يحتاج إلى ماء، وهذا من الفقه في الدين، ووضع الماء ورجع ينام، وأتى صلى الله عليه وسلم يسائل نفسه وقال: من وضع لي الماء؟ ثم عرف، قال: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} وهذه ليلة الميلاد في حياة ابن عباس، ولد ابن عباس في تلك الليلة، لأن للإنسان مولدين: مولد جسماني، ومولد روحاني، فمولده الجسماني يوم يسقط من بطن أمه:
ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا
ومولده الروحاني يوم يولد في الإسلام، وينغمس في الإسلام، ويرتدي رداء الإسلام، فـ ابن عباس ولد تلك الليلة، قال: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} وسمع ذلك الدعاء وحفظه، وبدأت حياة الفقه في الدين، يأتي عن يساره صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل؛ فيجره إلى يمينه ويستمر في الصلاة، ودعوة اللهم فقهه في الدين، تطن في أذنه دائماً وأبداً.
قال ابن عباس: قال لي أحد الناس من الأنصار: يا ابن عباس، لماذا تطلب العلم، وتجهد نفسك؟ أتظن أن الناس يحتاجون إليك، -أي أنك تبقى حتى يحتاج إليك الناس- قال ابن عباس: فوالله ما زلت أطلب العلم، حتى رأيت ذلك الرجل واقفاً يسألني في مسائل.
وقال ابن عباس: [[والله الذي لا إله إلا هو، لقد كنت أخرج من بيتي، فأضع رأسي عند باب الأنصاري؛ فتسف علي الريح بترابها حتى يخرج الأنصاري في القيلولة؛ فأسأله.
ولذلك آتاه الله علماً جماً، قال أبو وائل: [[والله لقد رأيت ابن عباس يوم عرفة يشرح سورة البقرة آية آية من صلاة الظهر حتى صلاة المغرب، لو سمعه اليهود والنصارى لأسلموا عن بكرة أبيهم]] العلم شيء عجيب إذا اقترن بالإيمان.