التواضع خصلة من أعظم الخصال، والعرب في الجاهلية والإسلام لا تريد المتكبر، ويقولون: من طلب الشرف فعليه بالتواضع، وأصدق من ذلك قوله الله؛ لأنه إذا جاء المثل العربي والقرآن، قلنا: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، يقول سبحانه: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه} ومن الكلمات الجيدة في هذا الباب ما نقل عن أبي بكر الصديق، أنه قال لـ خالد: يا خالد! فر من الشرف يتبعك الشرف، والسادات عند العرب كانوا أكثر الناس تواضعاً، والقلوب تبغض المتكبر ولا تحبه، وتمقته وتزدريه، ويسمى في أبواب الأدباء: الأحمق، وأحمق الناس المتكبر.
من المتكبرين ما ذكر ابن الجوزي: أن أحدهم كان أميراً فأراد أن يمر على الجسر إلى خراسان، وهو جسر كان على نهر سيحون، فتوقف عند الجسر وتوقف أصحابه، وقالوا: مالك لا تمر على الجسر؟ قال: أخشى أن ينكسر الجسر من شرفي، الله أكبر، ليس من قوته ولا من حجمه ولكن من شرفه.
وأحدهم كان في الشمال وزيراً أمر الناس أن يبسطوا العمائم إذا دخل في طريقه إلى المسجد، وبعض الناس لا يفقه ولا يعقل، فأخذوا العمائم وفرشوها في الطريق، فأخذ يتبسم وينظر إلى أصحابه ويقول: لمثل هذا فليعمل العاملون، إلى غير ذلك من ألفاظ الكبر التي وردت من بعضهم حتى أبلغته في درجة الفجور والعياذ بالله.
وأحياناً قد تجد الناسك ناسكاً ولكن تجده متكبراً، لو سأله فقير أو مسكين فتراه لا يقف ولا يتحدث معه، ويرى أنك لا بد أن تزوره وهو لا يزورك، وأن الحق له دائماً، وأن عليه أن يُخاطب بلفظ يا شيخ، وسماحتكم، وفضيلتكم، فإذا قطع عن هذه الألفاظ غضب، بل روي عن بعض الناس، أنه إذا سُلِّم عليه يرخي رأسه للقبل، يعني أصبح عنده مرونة لإرخاء الرأس من كثرة تعوده، ولذلك تجد الناس لا يقبلون رأسه؛ لأنه يريد هذا ويطلبه ويجعلها من الطرق التي توصله إلى المكانة في قلوب الناس.