وللرسول صلى الله عليه وسلم ميزات تدرك في السيرة بالتأمل، منها: الأناقة، وقد أشار إليها سعيد حوى في كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأجاد في ذلك، وقد ذكرت أنه قارن بينه وبين نابليون وهذا خطأ، فالرسول صلى الله عليه وسلم شيء آخر، ولا يقارن بينه وبين أحد، حتى بينه وبين أصحابه، لا يجوز أن تأتي إلى صحابي وتقارن بينه وبين الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن من الميزات التي أشار إليها:
الأناقة: فقد كان أنيقاً في ملبسه صلى الله عليه وسلم، وكان جميلاً، وهذا درس تربوي، فإن بعض الناس قد يظن أن التبذل دائماً وأن الدروشة دليل على الزهد في الدنيا، وهذا لا يلزم؛ لأن بعض الناس يلبس الرخيص ولكن قلبه قلب قارون أو هامان، وإن بعض الناس قد يتدروش لكن في نفسه عزة وجبروتاً، وقالوا في ترجمة
أيوب بن أبي تميمة السختياني: كان يلبس الجميل، وكان يقال له في ذلك، قال: كانت الشهرة فيما مضى في لبس الجميل، واليوم أصبح في لبس التقشف أو كما قال، أيوب هذا الولي الكبير المحدث شيخ حماد بن زيد، الذي يقول فيه الإمام مالك: ما ظننت أن في أهل العراق خيراً حتى رأيت أيوب بن أبي تميمة السختياني يبكي في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام حتى كادت أضلاعه تختلف، وهو سيد شباب أهل البصرة، وهو راوية في الصحيحين.
فالمقصود أن التبذل والتقشف قد تكون طريقاً للشهرة من حيث لا يدري الإنسان، وقد وجد من الناس من يلبس الرخيص المقطع وكأنه يقول للناس: أنا الزاهد، أنا العابد انظروا إلي، وعند ابن ماجة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذم لباس الشهرتين، والحديث في سنده نظر، والشهرتان عند أهل العلم: أن يلبس الغالي الذي يلحقه بالسلاطين، أو الرخيص الذي يلحقه بالشحاذين، تجد أن النووي رحمه الله على زهده وتقشفه يبوب في رياض الصالحين، باب التوسط في اللباس، ولا يقتصر على ما يزري به، لماذا؟
لأنه قد تكون الأصابع تشير إلى هذا أن فيه عباده وزهداً، ولذلك لا يتميز الإنسان في العرف المباح، مثل العمامة، قد يلبسها الإنسان؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لبسها فيؤجر عليها؛ والنبي صلى الله عليه وسلم جعل اللباس مطلقاً ولم يضيق على الناس فيه، فنحن لنا زي، وللمغاربة زي، وللمصريين زي، فما دام أنه في حدود الشريعة، فهو سهل وميسر وقريب، لكن لا نلبس الذهب ولا الحرير للرجال، ولا الطويل المسبل، ولا نلبس كل ما يمت إلى خرم المروءة، والمروءة تختلف بحسب المكان، فإن عندنا مثلاً في عرفنا هنا وفي مناطقنا هذا اللبس الذي نراه، فمن خوارم المروءة في العرف من يخرج إلى السوق كاشفاً رأسه.
لكن في تلك المجتمعات لو أن شاباً لبس عمامة فإنه يخاف على قلبه أن تشير إليه العيون، فكأنه يقول: أنا العبد الزاهد، أنا المتميز عن الناس انظروا إليَّ كيف لبست عمامة، وبعضهم تجده يتكيف في جلسته تكيفاً ما أتت به السنة، حتى إنه يصمت في المجلس فلا يتبسم إذا تبسم الناس، ولا يمزح ولو بمزحات سهلة مباحة إذا مزح الناس، ويظهر الخشوع، وقلبه ليس على هذا المستوى، وقد كان الإمام أحمد يتبسم إذا جلس مع أصحابه، فإذا جلس وحده خشع، وابن الجوزي أشار إلى هذه القضية في كتابه الجميل، صيد الخاطر، يقول: بعض الناس يتكلف التخشع، والصمت الكثير والقلوب تنبو عنه -تبتعد عنه- وهو صامت خاشع لكن يعلم الله أن قلبه ما طابق ظاهره، وبعض الناس يمزح ويهش ويبش، والقلوب تنهال عليه.