المسألة الرابعة: من هو الذي يصوم وما هي شروط الصيام؟
أولاً: أن يكون مسلماً لأن الله لا يقبل من كافر عملاً، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] ولكنه يسأل يوم القيامة عن تركه للصيام سؤال توبيخ وتأنيب، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:42 - 45] فلا بد من الإسلام، والكافر لا يقبل صيامه.
ثانيا: المكلف البالغ: لأن الصغير مرفوع عنه القلم، ولكن يؤمر مع ذلك بالصيام، تدريباً له، كما فعل السلف الصالح بأبنائهم حتى يتعودوا على الصيام.
ثالثاً: أن يكون عاقلاً: لأن المجنون كذلك مرفوع عنه القلم.
رابعاً: أن يكون قادراً: والقادر يخرج المريض، فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] أي: المريض الذي يضره الصيام، أما أن يأتيه زكام فيقول: الحمد لله الذي جعل لنا في الفطر رخصة ثم يترخص، أو يحتر جسمه في النهار فيقول: الله المستعان، لابد لنا من فطر فيأخذ هذه الرخص، يقولون: المريض هو الذي يتعبه الصيام فيدخل عليه المشقة، بالنسبة للمرض فهذا غير مستطيع.
خامساً: المسافر: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة:184] وحَدُّ السفر ما سمي في اللغة سفراً، ولا يتحدد بمسافة، بل ما سمي سفراً فهو سفر، أما إنسان يرتحل إلى أماكن قريبة مثل الخميس أو غيرها، ويقول: اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، فإذا وصل حجلة نزل فتغدى ومشى قليلاً ثم تعشى وقال: الحمد لله الذي جعل لنا رخصة في هذا الدين، ما أيسر هذا الدين!
فنقول له: أخطأت الفهم، وأسأت وتعديت بل السفر ما سمي سفراً، أما تحديده بثمانين ميلاً فنقول: من أين ثمانين ميلاً؟ ليس في الكتاب لا في سورة الأنفال، ولا الأعراف ثمانين ميلاً ولا في صحيح البخاري ولا مسلم وإنما هو تخرص، وبعض الناس قد يدور بالمدينة ثمانين مرة فيصبح ثمانين ميلاً، أو يذهب ويأتي من إشارة إلى إشارة ومن شارع إلى شارع فيمكن يمشي مائة كيلوا متر، فالمقصد أنه ما يسمى سفراً إلا إذا خرج من الحي ومن المدينة، فله أن يبسط سفرته وأن يأكل ولو يرى البيوت أمامه، لما ورد عن دحية الكلبي بـ ذي الحليفة أنه خرج من المدينة وهو يرى البيوت فبسط سفرته وأكل وقال: {كنا نفعله مع الرسول صلى الله عليه وسلم} وسافر ثلاثة أميال لأنه يسمى سفراً فأكل، فالمقصود أن المسافر إذا سافر فله الفطر سواء شق عليه الصيام أو لم يشق؛ لأن بعض الناس يقول: كيف الآن نسافر ونحن في سيارات مكيفة، وفي طائرات، ونفطر، لا.
الواجب أن نصوم يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة:184] ما قال سفراً يضره الصيام، أو سفراً يجوع، أو سفراً يظمأ فيه، وتعليق الفطر بالمشقة ليس مذكوراً في الآية ولا في الحديث.
إذاًَ: إذا سافرت فلك أن تفطر ولك أن تصوم شق عليك السفر أو لم يشق عليك، لكن أنت مخير إذا لم يشق عليك، أما إذا شق عليك فالأولى أن تفطر، ثم مر أن القادر أخرج بذلك المريض وأخرج المسافر.
وهناك الحائض والنفساء فإنهما لا تصوما ويحرم عليهما الصيام؛ لما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها سألتها معاذة فقالت: {ما بال الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت -يعني أنت من الخوارج لأن الخوارج يأمرون الحائض أن تقضي الصلاة والصوم- كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم لا بقضاء الصلاة} فالحائض والنفساء لا تصوم ولا تصلي، لكنها تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة، وحد النفساء ليس له حد صح فيه حديث، ومن حدد أربعين ليس بصحيح، بل إذا طهرت النفساء ولو في يوم واحد أو يومين؛ تغتسل وتصلي وتصوم ولا عليها.