هذا المجلس يجلسه صلى الله عليه وسلم بين الناس، وحوله الصحابة فيدخل هذا الرجل واسمه سلمة بن صخر البياضي، ومن عادة الصحابة أنه إذا كان في القصة أمر لا يحمد، وليس فيه جميل من الفعل لا يذكرون الاسم، وهذا أدب لك ولكل مسلم، إذا سمعت بقصة وكان بطل هذه القصة رجلاً سيئاً فلا تذكره للناس؛ ستراً على المسلمين، تقول: سمعنا عن رجل أنه فعل كذا وكذا، إذا كان في القصة مصلحة أما أن تسميه باسمه وبسكنه، وبعنوانه وحارته، فهذا ليس عند المسلمين، ولكن الصحابة إذا كان هناك مواقف بطولية، وكان هناك بذل وتضحية وعطاء قالوا فلان بن فلان.
يقولون: يوم أحد طلحة بن عبيد الله الذي فدى الإسلام، ويقولون: بارزه علي بن أبي طالب ويقولون: فدفع عثمان أمواله في سبيل الله، ووقف ثابت شاعراً خطيباً يدافع عن الإسلام، وحسان ذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما مسائل زنا أو خطأ أو ذنب، أو عيب أو جفى، فلا يدخلون الاسم ستراً على صاحبه، وهذا أدب عظيم، والله ستر أهل المعاصي في القرآن، لكن أنكى سبحانه ببعض الأسماء في القرآن، كفرعون وقارون وهامان وأبي لهب ليشهر أسماءهم بالفضيحة كما اشتهروا بها في الدنيا.
بينما الرسول عليه الصلاة والسلام جالس مع الناس، إذ وفد هذا الرجل يدلف قد فعل فعلة في رمضان قال: يا رسول الله هلكت، وفي هذه اللفظة دليل، وفيها فائدة أن هذا الرجل يعلم أن هذا هلاك، أي: ليس بجاهل ولا بناسي؛ لأن الذي لا يعرف حكم الجماع في نهار رمضان لا يقول هلكت، يأتي يقول: يا رسول الله! وقعت على أهلي فما الحكم؟ لكن هذا علم أنه هلك منذ أتى، ففيه دليل على أنه ليس بناسٍ ولا جاهل؛ لأنه لو كان ناسياً لما قال: هلكت يا رسول الله؛ لأن الله عفا عن الناسي ولو كان جاهلاً؛ لأن الجاهل لا يعرف الحكم فقال: {هلكت يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: وما أهلكك؟} أي: أنت صحيح معافى، مشافى، طويل عريض، وما نرى عليك آثار الضرب والهلاك، فماذا أهلكك؟ وفيه جواز استفتاء المفتي أنه إذا سألك عن سؤال أن تطلبه بالقوائم والسياقات.
قال: {وقعت على أهلي في رمضان} هذا لفظ مسلم وفي هذا اللفظة جواز إطلاق رمضان على الشهر بدون شهر رمضان؛ لأن بعض أهل العلم كرهوا أن يقال رمضان؛ لأنه في القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] ولكن هذا في جواز إطلاق رمضان على الشهر فلك أن تقول: رمضان أو شهر رمضان.
قال: {وقعت على أهلي في رمضان} ومعناه أنه في النهار؛ لأنه لو كان في الليل ما استفتى، فنازله عليه الصلاة السلام بالكفارات الثلاث قال: {هل تجد رقبة تعتقها؟ -يعني مؤمنة، وهذا يفهم بما قيد في أحاديث أخرى أو آيات- قال: لا والله يا رسول الله! قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا يا رسول الله} وفي لفظ صحيح: {وهل أوقعني فيما وقعت فيه إلا الصيام} يقول: أنا ما استطعت أن أتم صوم يوم، حتى وقعت على زوجتي، وتريد مني أن أصوم شهرين! ويظهر أن هذا السائل فيه روح خفيفة، وفيه دعابة مما ورد في الحديث، فقال صلى الله عليه وسلم: {فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا والله يا رسول الله} فجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ما تكلم وما قطع المسألة، وما فض المجلس ولكن سكت عليه الصلاة والسلام، حتى وصل معه إلى النهاية فسكت النبي صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه.
فلما أعرض أوتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق -وهو المكتل أو زنبيل كبير فيه شيء من تمر- أهدي إلى الرسول عليه الصلاة السلام، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: {خذ هذا فتصدق به -يعني يكفر به زلته، ومع ذلك-قال: على أفقر مني يا رسول الله} يريد أن يأخذ التمر أيضاً، يقع على امرأته في رمضان، ولا يجد كفارة، ويأخذ التمر زيادة جائزة على هذا الفعل رضي الله عنه وأرضاه! قال: {على أفقر مني يا رسول الله! فوالله ما بين لا بتيها -يعني حرة المدينة - أفقر مني، فضحك حتى بدت نواجذه عليه الصلاة السلام} وهي الأنياب، لأنه إذا تبسم ظهرت الثنايا كأنها البرد، يعني كالبرد يقول الرواة: كأن ثناياه البرد.
أولاً: أصلح خلقه وخلقه، أراد أن يكون كاملاً في الصورة والمعنى، فهو من أجمل الناس حتى كان كما تقول عائشة: {كانت أسارير وجهه تبرق} أرأيت البرق في الظلام؟ كانت أسارير وجهه عليه الصلاة السلام تبرق.
وكان عرقه إذا تصبب كأنه عقد الجمان أي اللؤلؤ المنظوم، إذا كان في عقد يتسكب من على جبينه، فيوم يتبسم كان غالب تبسمه تخرج الثنايا وما قاربها، لكن هذا الأمر أحوج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يضحك حتى بدت نواجذه فقال صلى الله عليه وسلم: {أطعمه أهلك} يحق لحديثي هذا أن يكون في مناسبة شهر رمضان، وإقبال شهر رمضان، وفي هذا الحديث وفي غيره من درس رمضان مسائل ربما تصل إلى ثلاثين مسألة، نتدارسها نحن وإياكم، ونسأل العلي العظيم التواب الرحيم أن يجعلنا وإياكم من المقبولين في هذا الشهر، وأن يجعلنا من العتقاء من النار، وأن يمنَّ علينا بتوبة نصوح، إنه على كل شيء قدير.