البخل ينافي السيادة

سأل عليه الصلاة والسلام بني سلمة -وهم يسكنون في قباء - قال: {من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا: سيدنا الجد بن قيس على بخل فيه، قال: وهل داء أدوى من البخل؟! بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح} أما هذا فليس بسيد، فخلعوه من تلك الليلة وولى عليهم عمرو بن الجموح؛ لأنه يستحق السيادة، أما البخيل فلا يستحقها.

وعند الترمذي بسند فيه كلام: {السخي قريب من الله قريب من عباده، والبخيل بعيد من الله، بعيد من عباده، بعيد من الجنة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

وقد أسهب الجاحظ وهو يكتب عن البخلاء وعن قصصهم، ثم أتى الخطيب البغدادي المحدث الشهير فكتب كتاباً فذكر البخلاء من طبقات الناس: من بخل بخبزه، من بخل بطعامه، من بخل بوقته، لأن البخل أنواع، ومنهم من يبخل بالعلم، حتى تجده من أبخل الناس بالعلم، ومنهم من يبخل بجاهه، ومنهم من يبخل بوقته، ومنهم من يبخل بواسطته وشفاعته، والجود منحة ربانية يمنحها الله من يشاء.

وفد عبد الله بن قيس الرقيات الشاعر على عبد الله بن الزبير رضي الله عنه فوقف عليه وابن الزبير أمير المؤمنين لمدة ست سنوات فقال:

أتيتك من بلد بعيد ناءٍ، نقبت ناقتي وكلَّ مسعاي وضمر جسمي أريد أعطية منك.

قال: أما أن ناقتك نقبت -أي أنها أصابها حفى- فخذ لها جلداً وحذها به، وأما أنت فأعطيك تمراً تأكله الآن، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك.

فقال: إن وصاحبها!

بداية وهذا شاهد في النحو ذكره ابن هشام في كتاب شذور الذهب، معناها: نعم وصاحبها، فذهب هذا وكان شاعراً فقال:

أرى الحاجات عند أبي خبيب نكدن ولا أمية في البلاد

من الأعياص أو من آل حرب أغر كغرة الفرس الجواد

يقول: يا أبا خبيب! نكدت عندك الحاجات، أين بنو أمية؟ لأنهم ينافسونه، فذهب إلى عبد الملك فأعطاه عشر نوق، وملأهن براً وزبيباً وتمراً.

فالمقصود أن العبد إذا قُصد فعليه أن يعطي، وأن تحمد الله أن جعلك مقصوداً لا قاصداً، وأن جعلك يرتادك الناس لا يرتادون غيرك أو لا تكون أنت مرتاداً لهم.

ومما ذكر: أن رجلاً أتى علي بن أبي طالب -ذكره صاحب كتاب عيون الأخبار - فقال له علي: أمسك ماء وجهك، لا تكلمني بحاجتك واكتبها، فكتبها على التراب يقول: أريد حلة يعني أريد ثوباً، فكساه علي رضي الله عنه حلة من أجمل الحلل، قالوا: خلع حلته التي يصلي بها العيد والجمع فأعطاه، فقال الرجل:

كسوتني حلةً تبلى محاسنها لأكسونك من حسن الثنا حللا

يقول: أنت كسوتني حلة واحدة والله لأكسونك حللاً من الثناء تبقى إلى آخر الدهر، وحسن الثناء مطلوب في الإسلام؛ قال تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء:84] يكسبه الإنسان بالمعروف والكرم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015