قوله عليه الصلاة والسلام: {ووأد البنات}:
الوأد هو: دفن البنت حية، وكان الجاهليون يفعلون ذلك هروباً من عار البنت؛ فإنهم يقولون: البنت إذا ربت كانت عاراً على أهلها، وهذا منطق سخيف حرمه الإسلام، وقد جعله الله عز وجل من أعظم الذنوب، فإن رزق البنت على الله، وربما كانت البنت مباركة أعظم من بركة الولد، وقد منح صلى الله عليه وسلم من البنات أكثر من الأولاد، فحرم الله ذلك، وقال سبحانه: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9] قرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلْتْ} [التكوير:8 - 9] هكذا قرأ أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه بسكون اللام وكسر التاء الثانية في كلمة: (قُتِلْتِ).
ويروى عن عمر والقصة ضعيفة ضعفها أهل السير، أنه كان يبكي في حياته حتى أخذ البكاء في خديه خطين أسودين، فقيل له في ذلك قال: أبكاني قصة ابنتي، وكانت في الجاهلية، ذهبت بها لأدفنها حية، فلما حفرت القبر وقع الغبار على لحيتي؛ فأخذت وهي صغيرة تنفض الغبار عن لحيتي قال: فدفنتها حية وهي تبكي.
وورد عن قيس بن عاصم المنقري أنه أخذ ابنته وقد ربت ونشأت وترعرعت، فقال لأمها: حلي فلانة، فحلتها وطيبتها وغسلتها، فأخذها بيدها، فلما ذهب بها إلى بئر مطوية في بادية من بوادي بني تميم، فأشرفت على البئر، فنكسها على رأسها فماتت.
وكان قيس عاقلاً لكن الجاهلية أذهبت عقل العاقل، وإلا فإنه الذي يقال له:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من ألبسته منك نعمةً إذا زار عن شحط بلادك سلما
وما كان قيس موته موت واحد ولكنه بنيان قوم تهدما
وقال سبحانه: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} [الأنعام:151] وقال: {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء:31] والمعنى من فقر؛ فإن الرزاق هو الله عز وجل، فليس الأب الذي يرزق أولاده، ولذلك فتحديد النسل نظرية خاطئة؛ لأنها خوف من الرزق، لا يوافقها الإسلام ولا الكتاب ولا السنة، لأن الله هو الذي يرزق؛ قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6] وما ولد مولود إلا وقد تكفل الله برزقه وبأجله، وبسعيد أو شقي، وبعض الناس يكون فقيراً وليس له ولد، فإذا ولد له أولاد وبنات رزقه الله رزقاً عظيماً، ولا تدري لعل رزقك هذا الذي يمنحك الله إياه بسبب بنت لك واحدة، فإن الرزاق حقيقة هو الله وليس العباد.
وأول من أحيا الموءودة في الجاهلية، ومنع أن توءد هو جَدُّ الفرزدق صعصعة بن ناجية، فإنه منع الموءودة أن توءد حتى يقول الفرزدق:
وجدي الذي منع الوائدات وأحيا الوئيد فلم توءد
وكان جده فارهاً في العرب يقول: أحيا بإذن الله عز وجل في الجاهلية مائة فتاة ومنعهن من القتل، فكان يأتي الفتاة التي يريد أبوها ذبحها، فيأخذها ويربيها عنده حتى يزوجها: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32].
وهذه -والحمد لله- ليست موجودة في عالم الإسلام، وما يقدم عليها أحد إلا من أضل الله سعيه وما سمعنا بذلك، لكن منع النسل وحجزه وحظره وإلغاؤه هو الذي أفتى فيه أهل العلم، أما تحديده فإن في المسألة تفصيلاً، وقد تكلم فيه بعض كبار العلماء، وكتبوا فيها رسائل، فقالوا: إذا كانت المرأة مريضة، ولا تستطيع مواصلة الحمل ويضرها؛ فإن لها أن تؤجل سنوات حتى تشفى، أو كان هناك ظروف خاصة لا يعلم بها، فإن لهم أن يحددوا فترة من الزمن، أما قطع النسل فهذا هو الممنوع الذي لا يجوز.
وبعض الآباء يقول: أكتفي بطفلين أو بثلاثة، وهذا ليس في الإسلام؛ لك أن تحدد النسل، ولكن ليس لك أن تقطع النسل.