من معالم الهداية: {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات:19] يقول موسى: لا تتكبر علينا يا فرعون لأني راعي غنم وأنت سلطان جبار، أنا أهديك، اسلك معي، امض معي.
قال: أنت لا، تكبر وطغى وكفر، قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51]؟ فأجراه الله من فوق رأسه، دسه مع الضفدع في الطين حسب يناغي ويفاغر والطين مخدوشٌ في عنقه وهو يقول: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] فكان
صلى الله عليه وسلم الآن يا خسيس، آمن بالله؟! فيقول: {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات:19].
ومن معالم الهداية: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ} [السجدة:13] لله الحكمة، وقال سبحانه في الكفار: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات:23] والخطاب إما للملائكة يقول: خذوهم إلى الجحيم، دلوهم الباب، افتحوا لهم أبواب جهنم، أو الخطاب إلى خزان النار، اهدوهم إلى صراط الجحيم، أما المؤمنون فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام قوله: {إن المؤمن أهدى ببيته في الجنة منه في الدنيا} لا إله إلا الله، أدنى أهل الخيم منزلة له عشرة أمثال الدنيا:
أقلهم ملكاً من الدنيا ملك وعشرة أمثالها من دون شك
لكنما موضع سوطٍ فيها خيرٌ من الدنيا وما عليها
لكن من يهدي هذه الأمة إذا دخلت الجنة! {أبواب الجنة ثمانية: بين المصراع، والمصراع كما بين أيلة (القدس) إلى صنعاء، وليأتين عليه يومٌ وهو كظيظ من الزحام} فمن يهدي هؤلاء؟ قال: يمشي المؤمن في الجنة حتى يصل إلى منازله، من هدى المؤمن؟ الله سبحانه، أما الكافر فإنه يكب في النار كباً قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات:23] نعوذ بالله من الجحيم، أسأل الله لا يرينا وإياكم النار:
إن الملوك إذا شابت عبيدهمُ في رقهم أعتقوهم عتق أبرارِ
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النارِ
ويقول سبحانه: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16] وهذه هداية يشترك فيها الناس، بهذه النجوم يهتدي بها الكافر والمسلم، ولكن نجم النجوم محمد عليه الصلاة والسلام، والذي لا يهتدي به سوف يضل ضلالاً بعيداً، وقال سبحانه عن فرعون -ففرعون واعظ، لكنه يدرس العقيدة الباطلة- يقول: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29].
كذب عدو الله، فإن سبيل رشاده النار!!: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] وبعض الناس اليوم فيه نسبة من فرعون، تجد الذي يقود الشباب إلى الضلال، يقول: ما أدلك إلا على الخير، وأنا أريد لك ما أريد لنفسي، هؤلاء الدعاة لا تصاحبهم، هؤلاء المطاوعة احذر منهم، أنا لا أريد لك إلا ما أريد لنفسي، نقول له: شيخك وأستاذك فرعون يقول: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29] أتى بقومه وأدخلهم النار، وقال: هذا سبيل الرشاد.
ومن معالم الهداية، قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه:79] يخبر الله عنه قال: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه:79].
ومن معالمها: لما دخل موسى على فرعون، إن ترك السلام صعب، تدخل إلى نصراني تريد أن تدعوه إذا لم تقل صباح الخير أو Good morning sir، وجئت تقول: أسلم يا عدو الله! أدعوك إلى طاعة الله، فذلك غير لائق.
لكن الله أعطى موسى أدب الدعوة هو وهارون فقال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] فلما دخل القصر، قال: إن سلمت على هذا المجرم كيف أسلم عليه؟!! وإن تركت السلام فذلك أمر عسير، فقال: والسلام على من اتبع الهدى، ففهمها ذلك فظن أنه هو ممن اتبع الهدى فجلس، قال: وكنياه في المجلس، قال: يا أبا مرة! أأدعوك؟! والقول اللين عند المفسرين أنه قال: إذا أسلمت أبقى الله لك ملكك وشبابك وصحتك، فأسلم تسلم، هذا القول اللين، هذه من معالم الهداية، ثم التدرج في الهداية، فالهداية لا تبدأ من أول يوم، فبعض الشباب يهتدي لشهر، ثم يقول: أنا قلبي قاسٍ، تقولون: الإيمان فيه هداية، وأنا ما زلت في وساوس، فنقول له: اصبر اصبر.
يقول ابن تيمية: "ليست العبرة بنقص البدايات، لكن العبرة بكمال النهايات" اصبر قليلاً، تزود من القرآن، اذكر الله، وادع الله، واحضر مع المسلمين، واحضر المحاضرات والدروس، وسوف تهتدي إن شاء الله، قال سبحانه في التدرج: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:122] اجتباه أولاً، وتاب عليه وهدى، تأتي الهداية تدريجياً مع الأيام، فالإسلام مثل النبتة تغرسها فلا تخرج غداً، هل رأيت رجلاً غرس نخلة وأتى يقطفها في النهار الثاني؟! لا، الإسلام يأتي مثل النخلة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم:24].
إن شجرة الإسلام تسقى بالتراويح وبالنوافل وبالتسبيح وبالقرآن وبالذكر وبالعبادة، فتنبت، وقد تأتيها أعاصير فتميل قليلاً، يأتيك ذنب فتستغفر وتتوب، ويأتيك فتور فتستغفر وتتوب، وتتفلت مع زملائك فتستغفر وتتوب، يأتيها ريح وشمس، لكن أصلها ثابت!! ثم تصل إلى حال أن الأعاصير لا تستطيع لها، بعض الشجر عمره ألف سنة، ومهما نخر النمل ساقها فإنها تظل ثابتة، لكن لو مرت عليها بعوضة وهي في بداية نموها والنخلة مثل الإسلام، والإسلام مثل النخلة، هبطت بعوضة على نخلة، فأرادت أن تطير، فقالت البعوضة للنخلة: تمسكي أريد أن أطير، قالت النخلة: والله ما أحسست بك حين وقعت عليَّ، فكيف أحس بك حين تطيرين.
ثابتاً على الحق لا يتزلزل أبداً فيصبح الشاب المؤمن المهتدي، ولذلك تجد بعض الناس لو سمع ألف أغنية فإن إيمانه مثل الجبال، ولو سمع ألف فتنة، ولو غمسته في موسكو أو في بكين فلا يتزلزل إيمانه، ولو قطع قطعة قطعة، وبعض الناس مزلزل وهو في أول الطريق!!
وقال سبحانه في التدرج: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] فتأتي الهداية تاجاً، والله يدعو المؤمنين إلى أن يطلبوا الهداية، ونسأل الله أن يثبتهم على الهداية: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] ربنا إن كثيراً من الناس ما صاموا وقد صمنا، وما سجدوا وقد سجدنا، وما قاموا وقد قمنا، نسألك الثبات على الإيمان، والثبات على الإسلام، والثبات على الرسالة الخالدة، حتى نلقاك وأنتَ راضٍ عنا.
وذكر الله المتحسرين على الهداية فقال: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر:57] لكن هيهات، الآن تتحسر يوم العرض الأكبر؟! ويقول سبحانه عن موسى والبحر أمامه وفرعون خلفه، والموت أمام عينيه، وأصبح كما قال المتنبي لـ سيف الدولة:
وقفت فما في الموت شكٌ لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائمُ
تمرُ بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاحٌ وثغرك باسمُ
قال بنو إسرائيل: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] يقولون: إن الموت أدركنا فرعون عنده ستمائة ألف مسلح وراءهم، والبحر أمامهم، فيقول موسى عليه السلام والعصا بيده: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] يقول: أنا معي ربي جربتُ شرعته هداني في مناسبات، وأنقذني حتى في قصر فرعون وغلبت فرعون، وعند فرعون ستة وثلاثون ألف حارس بالسيوف وأنا وحدي ونصرني!! ونصرني في الميدان! ونصرني يوم ألقيت العصا! ونصرني يوم كَادَني ذاك!! أما الآن فمعي ربي: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] فأوحى الله إليه الضرب بالعصا، يقول ابن جرير الطبري في التاريخ: اضرب بعصاك البحر، فكان موسى متأخراً قليلاً، فقال لهارون عليه السلام: اضرب أنت، ظن موسى أن الأمر فيه سعة، هو أو هارون سواء، فضرب هارون فما تغير البحر، بل قال ابن جرير إن البحر يقول: من هذا الجبار الذي يضربني، فقال الله عز وجل لموسى: اضرب أنت!!
وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزالِ
فأخذ العصا وقال: بسم الله، فضرب فانفلق!! هذا من الهداية.