اهتمامه بالعلم ونشر السنة

فقد اهتم بالعلم ونشر السنة، ولذلك أباد دولة الفاطميين إبادة ما سمع التاريخ بمثلها، وبقيت لهم بقية في مصر استحوذ عليها صلاح الدين وأنهى أمرهم، وأباد الإسماعيلية والباطنية، وكان قوي الشكيمة، ولا يسمح للمبتدعة بالحديث في المساجد.

وكان يأمر بالسنة، وكان إذا صلى الناس العشاء قام أولاً يوتر بعد صلاة العشاء على مذهب الأحناف، وأنت ترى الأحناف اليوم إذا سلم الإمام حتى في الحرمين يقومون مباشرة ويسنون، ونور الدين منهم، وهو من أصلب الناس على المحافظة على السنن، ومن أقواهم حتى يروون في رواية لـ أبي يوسف ومحمد بن الحسن، أن الوتر واجب، فهم يحافظون عليه محافظة تامة، ومنهم نور الدين محمود، وكان يخلع حذاءه إذا أراد أن يدخل المسجد ويأخذها بيده أمام الجنود والناس، وكان إذا دخل المسجد تبسم للناس وتبسموا له، وسلم عليهم.

وكان يحضر مبكراً لصلاة الجمعة، فيجلس أمام الخطيب، وكان يعظه الواعظ المنتخب فيبكي، وكان المنتخب يقول في الخطبة: يا محمود! اتق الله يا محمود! فيسمع نشيج محمود في الصف الأول.

قال الذهبي في ترجمة القطب الواعظ الثاني الذي أتى خطيباً بعد المنتخب، فبعد أن مات المنتخب، عين نور الدين محمود القطب خطيباً بعده، فأراد أن يقلد الأول، والأول عنده صدق وعلم وقوة وزهد، فكان يقول: يا محمود! اتق الله يا محمود! قال: فيقشعر جلد محمود ولا يبكي، وبعد الصلاة قال له محمود: لا تذكر اسمي في الخطبة، فو الله إن المنتخب كان إذا قال لي: يا محمود! اقشعر جلدي وذرفت دمعتي ووجل قلبي، وأما أنت إذا قلت لي يا محمود! ضاق صدري وقسا قلبي، قال الذهبي مترجماً لـ القطب كان غائصاً في بحار الدنيا.

أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائها

وأذكر في ذلك قصة يذكرها الحفاظ: أن عمر رضي الله عنه وأرضاه، مر برجل مصروع أغمي عليه، فقال عمر: مه، ما هذا؟! قالوا: مصروع، عليه مس، فجلس عمر ووضع يده على صدره، وقرأ عليه سورة ق فشفي بإذن الله وأخرج الجان، وبعدما ما مات عمر أتى الجان وركب هذا الرجل، وأعاد الكرة معه، فجاء رجل من الناس -وقد حضر قصة عمر رضي الله عنه- فوضع يده على صدر هذا المصروع وقرأ سورة ق، فقال الجان: السورة هي السورة ولكن القارئ غير القارئ.

فالكلام هو الكلام، لكن القارئ يختلف، فذاك عمر وهذا يختلف.

فهذا وقع أيضاً، فيقول نور الدين: لا تذكرني في الخطبة مرة ثانية، اخطب وأنا أسمع، أما ذاك فذهب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015