وخرج مرة يستعرض جيشه قبل إحدى المعارك مع الصليبين، وكان الأكراد هؤلاء أبناء عمومة التركمان، والأتراك ليسوا بعرب يلبسون السيوف عرضاً كالجنابي، وهذا ذكره ابن كثير والذهبي، فخرج نور الدين محمود في الصباح يستعرض جيشه، وقد عرض سيفه وعرض الأكراد أبناء عمومته كـ أسد الدين شيركوه وصلاح الدين ونصر الدين كلهم، فمروا بالجيش فوقف أحد العلماء من الأحناف، وقال: يا نور الدين! وجدنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يلبس سيفه في الطول ولا يلبسه في العرض، قال: بالله عليك؟ قال: إي والله، قال: إنما نحن خدم لمحمد عليه الصلاة والسلام، ثم نقض السيف وهو واقف، وأشار إلى الجيش جميعاً أن البسوها في الطول، فهكذا الإقتداء: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، قالوا: ولبست الأكراد إلى اليوم على هذه اللبسة، أي: قبل السلاح المتطور من عهد نور الدين.
وكتب كتباً في المساجد يطلب السماح قبل موته من الرعية، فقرأت بعد صلاة الجمعة في كل مسجد من مساجد العالم الإسلامي قام الخطباء بعد الصلاة ونص الكلمة من نور الدين محمود العبد الفقير إلى المسلمين أجمعين.
أمَّا بَعْد:-
أشهد الله وملائكته، ثم أشهدكم أني ما تعمدت ظلمكم ألا فالعفو والسماح والغفران.
قالوا: فبكى الناس في المساجد ودعو له رضي الله عنه وأرضاه.