قال الذهبي: أتى رجل إلى قاضي القضاة كمال الدين الشهرزوري لله دره، وهذا القاضي حنفي، وهو من أشهر القضاة في الأرض بالعدل، وكان يحفظ كتاب الله، وكان لا يهاب أحداً، جلس للحكم فأتاه رجل من الرعية، قال: لي خصم، قال: من خصمك؟ قال نور الدين محمود قال: الله أكبر! هو خصمك، قال: إي والله، قال: ماذا فعل؟ قال: أخذ أرضي بـ حمص، فأرسل رسالة إلى نور الدين محمود، قال: ما رأيك لقد خاصمك أحد الرعية؟
قال نور الدين: أتستأذنني؟! أحضرني معه عندك، واكتب لي رسالة، وادعني فيها لأحضر!!
فدعاه الشهرزوري وهو أديب وهو الذي يقول فيه الأستاذ علي الطنطاوي: ما قرأت في الأدب العربي أجمل من قصيدته، التي يقول فيها:
لمعت نارهم وقد عسعس الليل ومل الحادي وحار الدليل
فتأملتها وفكري من البين عليل وطرف عيني كليل
وفؤادي ذاك الفؤاد المعنى وغرامي ذاك الغرام الدخيل
وهي ما يقارب خمسين بيتاً، فأتى نور الدين وقبل أن يصل أرسل للقاضي رسالة، قال فيها: إذا أتيت فلا ترفع مجلسي، ولا تصافحني أمام الناس، وأجلسني مع خصمي على البساط.
فدخل نور الدين فقال الشهرزوري: اجلس هنا، فجلس أمامه وهو حاكم الإقليم الذي ذكرت لكم من جنوب اليمن إلى شمال تركيا، هذه يحكمها الآن اثنتان وعشرون دولة، فجلس أمامه، فادعى نور الدين أن الأرض له، وأتى بشهود وأخرج عريضة تثبت ذلك، فقال الخصم: صدق، ظننت أنها لي واختلط علي الأمر، وحدثني فلان أنها من الميراث، فمادام أنه أشهد فلاناً فهي له وهو صادق، قال نور الدين محمود: وأنا أشهدكم أن الأرض له.