زيارة القبور

أن تزور القبور، وأن تكثر من زيارة القبور، فلا تلهيك الأسواق والمعارض والقصور والدور والحفلات، والأشجار والحدائق عن زيارة القبور، اجعل من هذه العشر الزيارات للحدائق والقصور اجعل زيارة واحدة للقبور، ثم قف قليلاً وتذكر أين زملاؤك الذين عاشوا معك؟ أين الذين عرفتهم وعرفوك؟ أين الذين ضاحكتهم وضاحكوك؟ والذين آنستهم وآنسوك وزرتهم وزاروك؟ أين هم؟ وماذا فعلوا؟

وهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه الخليفة الزاهد صلى العيد بالناس -وكان خليفة لاثنتي وعشرين دولة من دول الإسلام، من سمرقند شرقاً إلى طنجة غرباً، ومن طاشقند شمالاً إلى إفريقيا جنوباً، وهو الخليفة الوحيد في هذه المعمورة- صلى العيد بالناس وخرج رضي الله عنه وأرضاه، فلما مر بالمقبرة، وقف وبكى بكاءً طويلاً، ثم قال: يا أيها الناس! هذه قبور الأحبة من بني أمية، هذه قبور آبائي وأجدادي وإخواني وجيراني، هذه قبور أصدقائي أتدرون ماذا فعل بهم الموت؟، ثم بكى، فقال الناس: ماذا فعل يا أمير المؤمنين؟ قال: يقول يا عمر! إنني فقأت الحدقتين، وأكلت العينين -أي: الموت- وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، والعضدين عن الكتفين، والقدمين عن الساقين، والساقين عن الركبتين، وفصلت كل شيء على حدة، ثم بكى فبكى الناس جميعاً البار والفاجر.

وهذه المواعظ التي تقف عندها تعطيك دروساً لا تنساها أبداً، فتقف عند المقبرة، ولو في الأسبوع مرة واحدة لعشر دقائق تتذكر أباك وجدك وعمك وخالك وأمك وجدتك، تتذكر من صرعوا في هذا المصرع، هل تميز قبر غني من فقير؟ هل تميز قبر ملك من مملوك؟ أين ذهبوا؟ لا بد أن تقف هذه الوقفات، وأن تخصص هذه الزيارات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015