يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45] قال ابن تيمية: " هذه الآية أخطأ فيها جمٌ غفيرٌ من المفسرين، ومقصود الآية: أن للصلاة معنيين وفائدتين ومقصودين:
أولهما: أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
وثانيهما: أن الصلاة يقام فيها ذكر الله.
قال: وإقامة ذكر الله في الصلاة أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر ".
وهذا معنى قوله تبارك وتعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45].
وفي ليلة بطيئة النجوم هادئة السحر باردة النسيم، عاشها ابن عباس رضي الله عنهما مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يروي قصتها البخاري ومسلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: {بت ليلة في بيت خالتي ميمونة -أي: بنت الحارث، زوج رسول الله عليه الصلاة والسلام- في ليلتها الذي يأتيها فيها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، قال: فدخلت بيتها بعد صلاة العشاء، فنمت في عرض الوسادة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرآني فظنني نائماً وأنا متناوم -شاب عمره (10) سنوات يريد أن يرى هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في الليل، يريد أن يرى ماذا يفعل من الذكر والمناجاة والدعاء والإخبات- قال: فقال لـ ميمونة: نام الغليم؟ -وهو تصغير تحبيب- قالت: نعم، قال: فأتى صلى الله عليه وسلم فجلس على فراشه فهلل، وكبره، وذكره، ودعاه، ثم نام حتى سمعت -غطيطه وفي لفظ البخاري: خطيطه وهو صوت يحدث النائم إذا استغرق في النوم- قال: ثم استيقظ، وانظر إلى الغليم ما هدأت جفونه، وما داعبه الكرى، ولا ساهده المنام، استيقظ صلى الله عليه وسلم، قال: فأخذ يفرك النوم من عينيه، ويقول: لا إله إلا الله، ثم قال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:190 - 191] الآيات، حتى ختم العشر الآيات من أواخر سورة آل عمران.
ثم قام عليه الصلاة والسلام فلحقه ابن عباس بماءٍ من شنٍ، فوضعه عند الباب، وعاد عليه الصلاة والسلام، فوجد الماء ولم يجد من وضعه، فتساءل في نفسه! من وضع لي الماء؟ ثم قال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، ثم أتى فتوضأ عليه الصلاة والسلام، وأخذ السواك واستقبل القبلة -وابن عباس هو الذي تشرف بحفظ الحديث هذه الليلة- فقال: فسمعته يقول:
اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والنبيون حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت.
ثم قال -وهذا عند مسلم تفرد به-: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم} وهذا امتثال لقوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} [الأعراف:205] ولقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:41 - 42] والله عز وجل طلب من رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسبحه بالغدو والآصال.
الغدو مع أنسام الفجر، ومع إطلالة الصباح، ومع برود هذا الفجر البهي على القلوب، ومع تفتح الأرواح، وإشراق الأفراح، وتغريد الحمام على الغصون، وانسياب الريح الهادئة، على المسلم أن يبدأ بذكر الله وتسبيحه.