إن ذكر الله عز وجل في حياته صلى الله عليه وسلم جانب مشرق وكبير فياض، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: كان هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر أنه كان ذاكراً لله دائماً، فكلامه وأنفاسه وأقواله وأحواله كلها كانت ذكراً منه لربه تبارك وتعالى، كان يذكر ربه قائماً وقاعداً وعلى جنبه، كان لا يتحرك إلا بذكر الله، ولا يسكن إلا بذكره، إن خطب فبذكر الله يخطب، وإن تحدث فبذكر الله يتحدث، وإن أفتى فبذكر الله يفتي؛ ولذلك كان متمثلاً لأمر الله تبارك وتعالى، يقول الله عز وجل: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:205] فانظر كيف قال: (خيفة) في الذكر، وقال في الدعاء: (خُفية) يقول عز وجل: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف:55].
وقال الجهبذ النحرير شيخ الإسلام ابن تيمية: إنما ذكر الله الخوف مع الذكر، وذكر الإخفاء مع الدعاء، لأن الذكر يورث الانبساط والفرح، فربما أدى بالعبد إلى الطغيان في حد العبودية؛ فألزم الله الذاكر أن يخافه تبارك وتعالى، أما الدعاء فكان نعمة جليلة، فخوف الحسد على العبد من دعائه لربه، ألزمه الله بإخفاء دعائه بينه وبين مولاه، والله يقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وهذا مصداق الحديث الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {قال الله تبارك وتعالى: من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم} وفي الأثر القدسي أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال: {أنا جليس من ذكرني}.
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس
يقول الله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] قال أحد السلف: والله إني لأعلم متى يذكرني ربي، قالوا: متى؟ قال: إذا ذكرته، يقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وقال جلَّ من قائل: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] وذكر الله هنا قيل: القرآن، وقيل: مطلق الذكر، وهو الصحيح إن شاء الله، تطمئن القلوب من خوفها وفزعها وهلعها وجزعها وانهزاميتها وفشلها وحزنها ويأسها، ولا تطمئن القلوب إلا إلى الحي القيوم.
اسمه الله الذي تأله إليه القلوب وتأوي إليه، وتحبه وتسكن إليه تبارك وتعالى.