مات عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] ولكن مبادئه لن تموت أبداً، ومع أذان الفجر قام بلال ليحاول محاولةً يائسةً عله يستطيع أن يملك أعصابه فلا تنهار ليؤذن.
أذَّن، لكن اسمع ماذا حدث.
التفت إلى قبر الرسول عليه الصلاة والسلام أمامه، التفت وإذا المحراب خالٍ من الإمام، التفت إلى بيت الرسول عليه الصلاة والسلام وليس فيه الأب! كيف يؤذن؟
كيف يستطيع أن يواصل بصوته؟
بأي عبارة يؤدي؟
أين بصره؟
أين سمعه؟
أين قلبه؟
أين كيانه؟
وقف على المنارة مع أذان الفجر، فقال: الله أكبر وتشجع وزاد وقال: الله أكبر وشجع نفسه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، ولكن أتت قاصمة الظهر، أتت المسكتة المبكية التي لا يستطيع بعدها أن يؤدي كلمة واحدة، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، فبكى وبكت النساء معه في عقر البيوت في المدينة، مع أذان الفجر، وقامت المدينة تبكي كلها، الأطفال يبكون مع الفجر ماذا حدث؟
بكى المؤذن.
أشهد أن محمداً رسول الله ثم ولا كلمة، اختنق صوته وتلعثم، فمن يؤذن؟
نزل وهو ينحب في الدرج حتى وصل ورمى بجسمه في المسجد!!
أين الإمام؟
مات الإمام وبقى المؤذن.
أين الحب؟
ذهب الحب فلا حب حتى نلتقي، يوم تعيش هذه الأبصار والأسماع حياة أخرى تجمعها بمن تحب، وحضر الصحابة ليشاهدوا المنظر أمامهم، منظر المؤذن وهو ملقي على الأرض كالثوب.
أتاه أبو بكر الخليفة، قال: مالك؟
قال: والله! لا أؤذن لأحد بعد رسول الله، سبحان الله! وحمل إلى بيته:
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.