ويجلس بلال في مجلس، ويقول أبو ذر لـ بلال: يا بن السوداء!
هل في الإسلام حمراء وسوداء وبيضاء؟
هل هناك أسود أو أبيض أو أحمر؟
من هو الكريم عندنا في هذه الملة المشرفة؟
إنه المتقي، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
إننا لا نعترف بالألوان أو الأجناس أو البلدان، بل نعترف برجل يحمل لا إله إلا الله، هويته إياك نعبد وإياك نستعين، وغضب بلال وقال: والله لأرفعنك إلى خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفع أمره فغضب النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم غضباً شديداً، لأنه يؤسس منذ عشرين سنة مبدأ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فيأتي هذا بكلمة يهد هذا البناء وهذا الصرح الشامخ، لا يجوز هذا.
ويستدعي أبا ذر، قال أبو ذر رضي الله عنه: والله ما أدري هل رد علي النبي السلام أم لا من شدة الغضب، وقال: {أعيرته بأمه؟ إنك امرأ فيك جاهلية}.
إن هذه خطيئة في الإسلام لا أكبر منها، إنها هدم للكتاب والسنة، ولكن بلالاً يزداد مع الأيام رفعه لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يحبه.
يصلى النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم صلاة العيد، ويخطب الناس، ثم يتكئ على بلال ويذهب يخطب النساء، وهو متكئ على بلال، ويرى بلال أن السعادة البشرية قد حصلت له؛ لأن رسول البشرية ومعلم الإنسانية وضع رأسه في حجره.
أي كرم؟!
وأي تشريف؟!
وأي عطاء؟!
وأي تبجيل؟!!
ويفتح الرسول عليه الصلاة والسلام مكة في اليوم المشهود الذي حطمت فيه الأصنام، فلا معبود بحق إلا الله، فيدخل الرسول عليه الصلاة والسلام على ناقته، ومعه عشرة آلاف من المؤمنين، أصبحت العقيدة جزءً من أجسامهم، أواضاً من جماجمهم التي على أكتافهم.
يدخل فيرى الأصنام فيطعنها برمحه فتتساقط وتتناثر، قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الاسراء:81] وتحين صلاة الظهر، ويجلس الناس أجمعون في صرح الكعبة المشرفة في الحرم، مؤمنهم ومشركهم، ويقول عليه الصلاة والسلام: أين بلال؟
فيقول: هاأنا يا رسول الله! قال: اصعد وأذن على سطح الكعبة.
أليس هذا دين الموالي؟!
أليس هذا انتصار للفقراء؟!
أليس هذا عدل للمساكين؟!
أليس هذا رفع لرءوس المستضعفين؟!
أليس هذا هو العدل بعينه؟!
أن يقوم المولى الأسود على الكعبة السوداء وهي بيت الله ليهتف بنداء الحق.
أين أبو جهل؟!
أين أبو لهب؟!
أين أبو طالب؟!
وصعد بلال واستوى على الكعبة لكي يخاطب الدنيا بشهادة الحق إلى يوم الدين، فلما أذن بكى الناس، ومن الذي يرى المشهد، ويرى الصورة ويسمع الصوت ويعيش التفاصيل ثم لا يبكي؟!!
هل قلوبهم من الحجارة؟!
هل سدت أسماعهم وأبصارهم حتى لا يروا؟!
إنه شيء عجيب يوم الفتح الأكبر.
الفاتح: رسول الله عليه الصلاة والسلام.
الدين: الإسلام.
المؤذن: بلال المولى الأسود.
أين يؤذن؟ على سطح الكعبة.
قال: الله أكبر، وكان صوته جميلاً يسبي القلوب يأخذ الأرواح ثم لا يتركها، يشدها ثم لا يرسلها.
أول من بكى الرسول عليه الصلاة والسلام، سالت دموعه حارة؛ لأنه تذكر المعاناة، وتذكر الصدمات الهائلة، وتذكر أيام الجوع والوجع والتعذيب، وأيام الإرهاب الفكري والمعنوي والجسدي، ثم يرى أنه قطع مرحلة هائلة وأنه انتصر، وأن مولاه وحبيبه أصبح مؤذناً، ويبكي الصحابة، ويشارك النساء والأطفال في البكاء، وهذا الصوت يتلجلج في هضاب مكة وأوديتها، يسبح كالتيار في الماء.
لا إله إلا الله.
يقول أحد المشركين وكان ما يزال على شركه: ما كنت أظن أن الحياة تطول بي حتى أرى هذا الغراب الأسود، ينعق على الكعبة.
قاتلك الله! أغراب هو؟!
بل هو إنسان العيون.