كان رجل من بني إسرائيل غنياً ثرياً، فعدى عليه ابن أخيه في الليل فذبحه!
اغتيال رهيب في ليلة ظلماء!
وأتى هذا القاتل المجرم إلى موسى ليخفي جريمته، ويبعد التهمة عن نفسه, فبكى بين يدي موسى عليه السلام، قال له: مالك؟ قال: عمي قتل البارحة وأنت المسئول عنه، فأنت النبي وبيدك الحكم؛ سل الله من قتل عمي، فجمع موسى بني إسرائيل وقال: من قتل عم هذا الرجل؟ قالوا: لا ندري، إن كنت يا موسى نبياً فسل ربك، فهم يقولون: ادع لنا ربك، قال أحد المفسرين: قبحهم الله وفضحهم، أليس بربهم؟! لماذا لم يقولوا: ادع ربنا، وإنما قالوا: ربك؟ فابتهل واستقبل القبلة وبكى وقال: اللهم أخبرنا من هو القاتل.
فقال الله: يا موسى! مر بني إسرائيل أن يأخذوا بقرة فيذبحونها, ثم يأخذوا عضواً منها فيضربوا الميت؛ فإني سوف أحييه بإذني؛ فيتكلم فيخبر بمن قتله، قال الله: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة:72 - 73] فقال موسى: اذبحوا بقرة، قال ابن عباس: [[لو أخذوا بقرة من عرض البقر لأجزأتهم]] لكن تعنت البقر, أمام قصة البقر، لأن العقول التي لا تهضم معلومات الوحي تعترض، والعقل الجامد أمام النور الخالد يعترض، الله يقول: اذبحوا بقرة فاعترضوا، ففي كل شئونهم اعتراض، أنزلهم في واد فيه منٌّ وسلوى, حمام مشوي وعسل فقال: كلوا، قالوا: لا {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [البقرة:61] أخرجهم من البحر وأقدامهم مبتلة بالماء, فلما خرجوا وذهب يكلم ربه عبدوا العجل، وقالوا: ظمئنا أين الماء؟ فضرب الصخرة بالعصى فانفجرت اثنتي عشرة عيناً، قالوا: أين ربك؟ قال: أكلمه، قالوا: اذهب فكلمه.
فذهب فلما أتى وجدهم قد أخذوا هذا العجل وسجدوا له، فتاب إلى الله وبكى موسى منهم، قال: يا رب! ما توبة بني إسرائيل؟ قال: خذ من خيارهم سبعين رجلاً والقني بـ طور سيناء , فإذا لقيتموني فاسجدوا لي؛ لأتوب عليكم، {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف:155] فاختار من خيارهم سبعين، فمضى بهم إلى طور سيناء وقال: لا تتكلموا فإن ربي سوف يكلمني، فإذا كلمني فاسجدوا وابكوا، قالوا: نعم، فلما كلمه الله لم يسجدوا، فالتفت إليهم وقال: ما لكم؟ قالوا: أرنا الله جهرة.
قال: اسجدوا لله قالوا: أرنا الله جهرة.
فأنزل الله عليهم صاعقة فقتلت السبعين جميعاً, فوقف موسى باكياً وقال: يا رب! أعود لبني إسرائيل فيقولون لي قتل السبعين من خيارنا, فماذا أقول لهم؟ قال الله: سأحييهم لك.
فأحياهم الله، وقالوا: يا موسى أحيانا الله فأرنا آية؟ فنتق الله الجبل فوق رءوسهم {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} [الأعراف:171] قال: أصدقتم؟ قالوا: لا.