أيظن الإنسان أن الله لا يسأله عن بني الإنسان؟! يوم القيامة يقررك الله بذنوبك، فيقول الله: {يا بن آدم! جعت فلم تطعمني} أكلت الموائد الشهية وشبعت وجاع الناس وهذا حديث صحيح من رواية ابن عباس: {قال العبد: يا رب! كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان جاع فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي} يجوع جارك ويمسي طاوياً يتلوى من الجوع، ترى الفقراء والمساكين يتلوون في السكك والطرقات والمنحنيات لا يجدون كسرةً يابسةً من الخبز، وأنت ترمي الأكلات في القمامة للقطط والكلاب، حتى أصيبت قططنا وكلابنا بالتخمة، فأصبحت تموت بالتخمة، وأما الأكباد الجائعة والبطون الخاوية، فأصبحت لا تجد قطعة الخبز اليابسة التي ترمى في السكك.
{يا بن آدم! ظمئت فلم تسقني، قال: كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان ظمأ فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي، يا بن آدم! مرضت فلم تعدني} وكثير من عيادات الناس وزياراتهم اليوم أصبحت على الوجاهة والشهرة والمناصب ومعطيات الدنيا.
الفقراء يمرضون السنوات ولا يعادون، والمساكين يطرحون في المستشفيات على الأسرة ولا يجدون من يعودهم، إن كان رجل له منصب وجاه من الأغنياء وأهل الشهرة:
ترى الناس أفواجاً على باب داره أطافوا على تلك الديار وسلموا
تشكو عتبات الوجهاء من كثرة الزيارة لا لوجه الله، لكن لوجهه وأصبحت دعوات الناس على الطعام للوجاهة، فيدعى وجهاء الناس والفقراء يتلوون بجانب الخيام والقصور والفلل لا يدعون، لأنهم فقراء.
{يا بن آدم! مرضت فلم تعدني، قال: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما تعلم أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده، أما إنك لو عدته لوجدت ذلك عندي}.
عباد الله! أسأل الله أن يرحمني وإياكم برحمته التي وسعت كل شيء، وأن يجعلنا رحماء مع أهلنا وجيراننا وإخواننا وأمتنا، وأن يجعل الرحمة تعاملنا، وأن يكسونا ثوب الرحمة، وأن يرحمنا سراً وجهاراً وظاهراً وباطناً، وأن يغرس شجرة الرحمة في قلوبنا، لتثمر الصدق واليقين والصراحة والوضوح.
عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدةً، صلى الله عليه بها عشراً}.
اللهم صلِّ على حبيبك ونبيك محمد، اللهم اعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين!
اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه يا رب العالمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين!
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.