الحمد لله القائل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ * قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ * إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [الأنبياء:107 - 112].
والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون}.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
أيها الناس: فهذه مناظرة حارة ومقابلة ساخنة بين أبي سفيان؛ قائد المشركين في حروبهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين هرقل؛ ملك الروم، وعظيم الروم.
عنوان هذه المحاضرة: سؤالات واستفسارات عن الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم.
ولنستمع إلى أبي سفيان وهو يروي القصة وهي في صحيح البخاري، كتاب الإيمان.
يقول: كنا في المدة التي ماددنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم -يقصد الصلح الذي وقع في الحديبية سنة 6هـ- فخرجنا تجاراً إلى الشام، وبينما نحن في تجارتنا في سوقٍ من أسواق الشام، وإذا بجنود هرقل يطلبوننا، وهم يسألون في السوق: هل هنا في السوق أحدٌ من العرب؟ فدلهم الناس علينا، فألقوا القبض علينا وذهبوا بنا وأدخلونا على ملك الروم، وإذا حوله البطارقة والقساوسة والوزراء وقواد جيشه وقد اكتظ بهم المكان.
قال أبو سفيان: فقال هرقل: من منكم أقرب الناس نسباً من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ -يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم- فقال أبو سفيان: أنا أقربهم نسباً.
-وهذا الكلام يجري عن طريق الترجمة، والمترجم يترجم العربية لـ هرقل ويترجم لغة هرقل لـ أبي سفيان - قال: اجلس أمامي، قال: فأجلسني أمامه.
ثم دعا برفقتي فأجلسهم خلفي، ثم قال لهم: إني سائل هذا الرجل عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذبني فكذبوه يقول هرقل: إن افترى عليَّ ودجل فكذبوه حتى يعرف الكاذب.
وقد صدق أنه من أقرب الناس نسباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو من عبد شمس والرسول عليه الصلاة والسلام من بني هاشم.
فقال أبو سفيان: فوالله لولا أن يتحدثوا عني بالكذب لكذبت عليه؛ لأنهم لن يكذبوه وهو منهم وهو سيدهم.
فسأله السؤال الأول: كيف نسبه فيكم؟ أي: الرسول عليه الصلاة والسلام.
قال أبو سفيان: هو فينا ذو نسب.
وصدق فما هناك في العرب، بل في المعمورة، بل في الكرة الأرضية، أرفع نسباً، وأطهر محتداً، وأشرف مولداً من الرسول عليه الصلاة والسلام.
ثم قال: هل كان من آبائه ملكاً؟ أي: على العرب.
قال: لا.
وصدق أبو سفيان فليس من آبائه صلى الله عليه وسلم من ملك، ولكنهم سادة كرماء أشراف.
قال: فهل قال أحدٌ هذا القول قبله منكم؟
قال: لا.
وصدق فإنها لا تعرف هذه المقالة في العرب.
فقال هرقل: أأشراف الناس يتبعونه على دينه أم ضعفاؤهم؟
قال أبو سفيان: بل ضعفاؤهم.
قال: أيزيدون أو ينقصون؟
قال: بل يزيدون.
قال: أيرتد أحدٌ منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطةً عليه؟
قال: لا، لا يرتد أحدٌ منهم بعد أن يدخل دينه.
فقال: أقاتلتموه؟
قال: نعم، قاتلناه.
قال: كيف قتالكم معه؟
قال: يدال علينا ونديل عليه، فالحرب سجال، مرةً يغلبنا ومرةً نغلبه.
قال: فهل يغدر؟
قال: لا، ونحن منه في مدة لا ندري هل يغدر أم لا.
قال أبو سفيان: ولم تمكني كلمة أدخل بها عليه إلا هذه الكلمة، فهو يريد أن يقدح في الرسول عليه الصلاة والسلام، لأنهم أعداء؛ ولكنه ما استطاع، وما وجد فرصة في القدح فيه صلى الله عليه وسلم.
ثم قال هرقل: بم يأمركم؟
قال: يأمرنا بأن نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
قال: فهل جربتم عليه كذباً؟
قال: لا.