إذا أذنبت وأخطأت وأجرمت، وأسرفت على نفسك، ثم تفكرت في لقاء الله، وفي القبر المظلم، والعرض الأكبر على الله عز وجل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه
كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه
ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله
المقصود: أن الذنوب والخطايا لا يسلم منها أحد، ولا يغفر الذنوب إلا الله ولا يستر العيوب إلا هو، ولا يسامح عن الزلل إلا الله، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136] قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] فإذا أذنبنا فررنا إلى الله، قال الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50] فما منا إلا مذنب، وما منا إلا عاصي، وما منا إلا مسرف على نفسه.
ويا أيها الإخوة الكرام! واجبنا تجاه الذنوب والخطايا أن نتوب إلى علام الغيوب، وأن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، وأن نتزين للعرض الأكبر على الله عز وجل قبل أن نعرض عليه فلا تخفى عليه منا خافية، ولذلك طالبنا صلى الله عليه وسلم بالتوبة.
يروى عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الحديث القدسي أنه قال: {يا بن آدم إنك ما دعوتي ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لغفرتها لك، يا بن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة}.
فما هو الواجب تجاه ذنوبنا وخطايانا؟ الواجب أن نستغفر الله وأن نتوب إليه، وقدوتنا عليه الصلاة والسلام يقول: {يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة} وفي لفظ: {مائة مرة}.
فيا إخوتي في الله! كثرة ذنوبنا وخطايانا، وما جف القطر، وفسدت كثير من البيوت، وقست القلوب، وتشتت الأسر، وتفرقت الجماعات والقبائل، إلا بسبب الذنوب والخطايا.
الجار لا يسالم جاره، تحدث حرب شعواء بين الجيران وصلت إلى المحاكم، ووصلت إلى القاصي والداني بسبب عدم رقابتنا لله عز وجل، وبسبب قسوة قلوبنا، والجار في الإسلام حقه عظيم، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يوصي به.
يقول أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه: {خرجت مع أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا به قائم، وإذا رجلٌ مقبلٌ عليه، فظننت أن له حاجة، فجلست، فوالله لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أرثي له من طول القيام، ثم قمت إليه، فقلت: يا رسول الله! لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام.
قال: أتدري من هذا؟ قلت: لا.
قال: جبريل، مازال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، أما إنك لو سلمت عليه لردَّ عليك السلام} رواه أحمد بإسناد جيد.
وأتى جار فقال: {يا رسول الله! أشكو إليك جاري.
قال: ماذا فعل؟ قال: آذاني، وسبني، وشتمني، وما حفظني، ولا رعاني، إن غبت خفت على أهلي منه، قال: اصبر له واحتسب} فذهب فصبر، ولكن ذاك الجار ما اتقى الله، وما خشي من الله، فاشتكى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مرة ثانية، قال: {خذ متاعك وقف في الطريق، فأخذ متاعه، ومر الناس عليه مصبحين وممسين فقالوا: مالك؟ قال: أخرجني جاري إلى هذا الطريق، قالوا: عليه لعنة الله.
فيصبح الرجل، فيقول: مالك؟ قال: أخرجني جاري، قال: عليه لعنة الله، ويمسي الممسي فيقول: مالك؟ قال: أخرجني جاري، قال: عليه لعنة الله، فعاد هذا الجار بعد أن قال له جاره: عد، والله لا أوذيك بعدها أبداً}.
ولذلك أكثر ما هضمت حقوق الجيران؛ لما قست القلوب، ونسيت حقوق المسلم على لمسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام علمنا حقوق المسلم؛ نظر إلى الكعبة عليه الصلاة والسلام وقال: {ما أجلك وما أعظمك وما أشد حرمتك عند الله عز وجل! والذي نفسي بيده للمؤمن أشد حرمة منك} المؤمن أشد حرمة من الكعبة عند الله - عز وجل - وأقدس، ويقول عليه الصلاة والسلام: {والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه} هذه قضية الجيران، وحقوق المسلمين تتداخل بعضها في بعض.