إن المقصود من زيارة القبور هو التذكير بالآخرة، لا التوسل بأصحابها كما يفعله الوثنيون المبتدعون المشركون في بعض البلاد الإسلامية؛ فإنهم يذهبون إلى تلك القبور، وقد يكون أهلها من الصالحين، فيتوسلون بهم إلى الله، ويتبركون بتلك القبور وهؤلاء الذين يزورون القبور ويفعلون هذا الفعل قد حبط عملهم في الدنيا والآخرة إن لم يتوبوا إلى الله ويراجعوا حسابهم مع الله.
وإذا سألتهم: لِمَ تفعلون هذه الأفاعيل الشركية الوثنية والأمور الجاهلية؟
قالوا: نحن لا نعبدهم، وإنما نتبرك بهم ونتوسل بهم إلى الله.
وهذا منطق أهل الجهل والشرك والوثنية، فإنهم كانوا يقولون كما قص الله عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3].
ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد} ومعنى (وثناً يعبد) أي: يتوسل إليه، ويتبرك به، ويعتقد أنه ينفع ويضر بعد موته.
هذا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بغيره الذي ما بلغ مرتبته من الناس؟
كيف يتوسل به إلى الله ويتبرك به وبالدعاء عنده؟!
إن هذا هو الشرك بعينه، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66] فالذين يتوسلون بالقبور في أي بلد وفي أي مكان وفي أي زمان، ويتبركون بالدعاء عندهم، ويعتقدون نفع الأموات أو ضرهم: {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:139].
يقول صلى الله عليه وسلم وهو في سكرات الموت، وهو يصارع الموت في آخر لحظة من لحظات الدنيا: {لا إله إلا الله إن للموت لسكرات} ثم يقول: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا فبور أنبيائهم مساجد} يحذر منهم صلى الله عليه وسلم ومن فعلهم.
ووقع ما فعله أولئك من اليهود والنصارى في أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ ففي كثير من البلاد الإسلامية يشركون بالله بتقربهم إلى القبور، وبعكوفهم عليها، وبتوسلهم بأصحابها؛ فوقعوا في الغلو الذي وقع فيه من كان قبلهم، يقول الله تبارك وتعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30] فقاتل الله كل من اتخذ من دونه إلهاً يعبد، أو توسل إلى الله بغير ما شرع في جلب منفعة أو دفع مضرة.
يقول ابن تيمية رحمه الله: الرسل عليهم الصلاة والسلام وسائط هدى وتبليغ للرسالات من الله إلينا، ولا نتوسط بهم في العبادات بيننا وبين الله.
فمن توسل بأحد أو تشفع به وهو ميت في قبره، أو تبرك بالدعاء عند قبره فقد خسر عمله.