فيا عباد الله! تأملوا وتفكروا في تلك الحفر الضيقة الموحشة في بيوت اللحود، وفي بيوت الهوام والدود، يقول مجاهد رحمه الله: [[يقول القبر: أنا بيت الوحشة أنا بيت الظلمة أنا بيت الدود أنا بيت مفارقة الأحباب ومضايقة اللحود أنا بيت من يوطَّى فيه على الخدود أنا بيت فراق الأهل والأموال أنا بيت فراق الدور والقصور أنا بيت فراق اللذات والأولاد والبنات والشهوات]].
فيا عباد الله! رحم الله امرءاً قدم من الصالحات لتلك الحفرة.
ورحم الله امرءاً أعد الحسنات لذاك القبر.
ورحم الله امرءاً حاسب نفسه قبل أن يوضع في مكان ضيق لا أنيس فيه إلا العمل الصالح، ولا حفيظ فيه إلا الله، ولا مجازي ولا محاسب إلا الحي القيوم.
يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لجلسائه: [[أرقت البارحة -أي سهرت فلم أنم حتى الفجر- قالوا: ما أسهرك يا أمير المؤمنين؟ قال: لما أويت إلى فراشي ووضعت لحافي علي تذكرت القبر، وتذكرت الميت بعد ثلاث ليال، حينما يتركه أهله وأحبابه وجيرانه وإخوانه، فيتغير ريحه، وتتمزق أكفانه، ويسري الدود على خدوده، فليتك ترى يا فلان تلك الرائحة المنتنة بعد الطيب في الدنيا، وتلك الأكفان الممزقة بعد الثياب الجميلة في الدنيا]].
نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي
أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر
هل رأيت قبر غني من فقير؟ هل رأيت -أي: هل ميزت- بين قبر أمير من حقير؟
تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر
فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك فيما مضى معتبر