كان عليه الصلاة والسلام أرحم ما يكون بالميت من المسلمين إذا مات، وأشفق ما يكون بالميت من المؤمنين إذا مات؛ لأن الميت أحوج الناس إلى الدعاء والترحم.
يقول عوف بن مالك رضي الله عنه: {صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة رجل من الأنصار، فلما صففنا خلفه تخطيت الصفوف حتى وقفت بجانبه وهو يصلي على الجنازة، فسمعته صلى الله عليه وسلم يبكي وهو يقول: اللهم اغفرله، اللهم اعف عنه، اللهم ارحمه، اللهم أكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس قال عوف: فوالله لوددت أني أنا الميت من حسن دعائه صلى الله عليه وسلم}.
بل كان عليه الصلاة والسلام يذهب في الليل البهيم والظلام الدامس فيقف على مقبرة بقيع الغرقد في المدينة، فيبكي بكاءً طويلاً، ويدعو دعاءً طويلاً؛ لأنهم أحوج ما يكونون إلى الدعاء، وأحوج ما يكونون إلى الترحم؛ ولأنهم كما قال تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ:54].
كان ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه إذا قرأ قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54] يبكي رضي الله عنه وأرضاه حتى يكاد يغمى عليه، ثم يقول: [[اللهم لا تحل بيني وبين ما أشتهي.
قيل له: ماذا تشتهي؟ قال: أشتهي أن أقول لا إله إلا الله، فيحال بيني وبين لا إله إلا الله]] وأهل القبور حيل بينهم -والله- وبين لا إله إلا الله، فلا يستطيعون أن يقولوها.
فهل سمعتم بميت يصلي في قبره؟
وهل سمعتم بميت يصوم في قبره؟
وهل سمعتم بميت يذكر الله في قبره؟
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ:54] كما فعل بأشياعهم من المجرمين، وأضرابهم من المنافقين، وأشباههم من الفاسقين: {إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54].