Q ما هي السنة في العزاء؟ وهل التجمعات للعزاء من النياحة أم لا؟
صلى الله عليه وسلم أيها المسلمون! هذه المسألة عظيمة وهي منتشرة في القرى وبين القبائل، وهي تحتاج إلى شيء من البسط والتقسيم، وقد سبق أن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -عَمَّر الله حياته وأمتع في عمره- أرسل منشوراً مفيضاً في فتوى صريحة بذلك.
وأقول: فيه تفصيل: المسألة الأولى: صنع الطعام في بيت الميت للوافدين ليس بجائز في الإسلام، أهل الميت لا يصنعون طعاماً للوافدين للعزاء أو لغيره لأنهم في مصيبة، ولا تجمع عليهم مصيبة أخرى ولا يكلفون، لما قتل جعفر رضي الله عنه في مؤتة، قال عليه الصلاة والسلام: {اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم} فالسنة أن يصنع لأهل الميت في البيوت المجاورة طعاماً، ويرسل به إليهم ولقرابتهم، هذه مسألة لا بد أن تعوها.
المسألة الثانية: جلوس الناس في بيت الميت من غير الأقارب ليس من السنة، وعند الخمسة - السنن الأربع وأحمد - عن جرير بن عبد الله البجلي رضي عنه وأرضاه، بإسناد صحيح قال: [[كنا نعد الاجتماع في العزاء على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام من النياحة]] وهذا الدليل استدل به الشيخ عبد العزيز بن باز وأرسل رسالة فيه لأهل الجنوب خاصة؛ لأنها منشورة بينهم، يترك الموظف عمله والمدرس مدرسته والفلاح مزرعته وصاحب الدكان دكانه، ويجلس ثلاثة أيام في بيت كل من مات من القبيلة، وهل هذا من الإسلام؟ بل هذا تعطيل لمصالح المسلمين، وهذا إرباك لحركة السير وحركة الكسب، وتضييع لأمانة التجارة والوظيفة والتدريس.
فليس هذا بجائز، وقد نبه عليه سماحة الشيخ والعلماء، فغير الأقارب لا يجلسون في البيت ثلاثة أيام، وعلى صاحب الوظيفة أن يذهب إلى وظيفته، يكفيك أن تعزي صاحب الميت على المقبرة.
فإذا انتهيت من الدفن فقل: أحسن الله عزاءك وجبر الله مصيبتك، ثم اذهب إلى بيتك، أما الأقارب فلهم أن يقفوا مع الميت في بيته لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ذهب يعزي آل جعفر في بيتهم، وجلس معهم واستأنس معهم واستأنسوا به.
ثالثاً: تنقل القبيلة إلى القبيلة ليس من الإسلام، نقولها صريحة، ومادام أننا اجتمعنا في هذا المكان المبارك، وهذا المنزل المعهود، وحضرت هذه الوجوه الغانمة من القبائل، فانتقال القبيلة إلى القبيلة ليس من الإسلام، لا يعرف عند السلف ولم تفعله القرون المفضلة، وإنما انتشر عندنا نحن هنا من كيسنا ومن رأينا وتصوراتنا وآراؤنا ليس من الشريعة، فيكفي رسالة أو اتصال بالهاتف، أو أن تعزي عند المقبرة، أو إذا لقيته في السوق، أو أن يذهب رجل واحد من القبيلة فحسب، فيعزي برسالة منهم، ويدعون لهم فقط، أما أن يأتي ثلاثون أو أربعون أو خمسون فيقف أولئك ولو لم يأكلوا شيئاً ليس من السنة، ومن عنده دليل أو مستند فلينفعنا به وليفدنا فإنّا لا نزال نبحث ولم نجد شيئاً وغيرنا من هو أعلم منا وأفضل لم يجد شيئاً، والله يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الانبياء:7].
المسألة الرابعة: ومن المسائل التي ينبه عليها النياحة واجتماع النساء في بيت الميت، وندبه بالأقاويل وبهزيع الصوت وبالبكاء فهذا عذاب على الميت، والنائحة إذا لم تتب توقف يوم القيامة، وتلبس درعاً من جرب ويصب على رأسها القطران، ويعذب الميت ببكاء أهله وبنياحتهم، وعلى الأقارب إذا حضروا أن يقرءوا القرآن أو ذكر الله، أو كتاباً مما ينفع أو يتواصوا بالخير فيما بينهم هذه هي السنة.
أما المخيمات واجتماع الناس وقناديل الكهرباء في الليل، فهذا ليس من الإسلام في شيء، ونحن الذين نكلف أنفسنا، ونتعب أنفسنا بهده المناسبات خاصة في العزاء، ولم ينزل الله به من سلطان والواجب أن نريح أهل الميت، وأن نريح مشاعر الناس وأن نرتاح في أنفسنا ونترك الموظفين والأساتذة والعمال والمزارعين في أعمالهم فلا نعطل مصالح المسلمين، والله أعلم.