خرج من الغار ولحقه سراقة على فرسه، لأن قريش قالت: من يأتي بمحمد عليه الصلاة والسلام حياً أوميتاً فله مائة ناقة، هذه مخاطرة وموت، لكن الشجاع يريد أن يبلغ دينه إلى القارات الست.
اليوم في موسكو عاصمة روسيا، يرتفع الله أكبر، حج منها هذه السنة أكثر من ألفي حاج، لأن محمداً عليه الصلاة والسلام صمد لتدخل لا إله إلا الله موسكو وبكين ولندن وواشنطن، لا بد أن تدخل لا إله إلا الله الدنيا.
لحقه سراقة لينال مائة ناقة، ولكن ظن سراقة أن الأمر سهل، وقد كان أبو بكر مرة يمشي عن يمين الرسول عليه الصلاة والسلام ومرة عن يساره ومرة من أمامه ومرة من خلفه، سلمك الله يا أبا بكر! رفع الله منزلتك يا أبا بكر! فيتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: مالك يا أبا بكر! قال: يا رسول الله! أخاف أن يرصدوا لك فأتقدم أمامك لأموت قبلك، وأخشى أن يلاحقوك فأتخلف، وأخشى أن يأتوا من على الميمنة فأرصد الميمنة، وأخشى أن يأتوا من على الميسرة فأحميك من على الميسرة، قال: {غفر الله لك يا أبا بكر} ما أحسنها من كلمة، ووقف صلى الله عليه وسلم ما عنده إلا إداوة فيها قليل من الماء، وهو يقرأ: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9] ولحق بهم سراقة، قال أبو بكر: يا رسول الله! انظر إلى سراقة، فنظر إليه، وهو مقبل معه سيف فيه الموت، فدعى عليه فساخت أقدام فرسه ووقع على وجهه في الأرض، فقال لفرسه صه: -يعني: قم- فقام وأخذ السيف فهو من شجعان العرب.
والرسول عليه الصلاة والسلام ليس معه سيف، ولكن معه ما هو أقوى من السيف، معه لا إله إلا الله، معه قوة أقوى من كل قوة على وجه الأرض، ووقف سراقة ثانية وعدا ليقتله فقال عليه الصلاة والسلام: {اللهم اكفنيه بما شئت} فساخ فرسه ووقع على وجهه، ونهض فقال: يا محمد! أسألك الأمان، اكتب لي أماناً؛ خاف من الموت.
فر من الموت وفي الموت وقع
فتبسم عليه الصلاة والسلام، يتبسم من هذا المسكين، أتى ليذبحه، فأتى يطلب الأمان اليوم من الذبح، وأتى يأخذ صكاً أن لا يقتل، قال عليه الصلاة والسلام: {ويلك يا سراقة! كيف بك إذا سورك الله بسواري كسرى وقصير} ملك فارس وملك الروم.
طريد من مكة ترك بناته وداره وعقاره وأهله وجيرانه وهم يلاحقونه في الصحراء، ومع ذلك يقول يا سراقة! سوف ننتصر على الباطل وعلى دولة كسرى وقيصر، وسوف يأخذون أساورتهم ويجلعونها في يديك، وضحك سراقة من هذا الكلام؟ أهذا كلام؟ هذا يفر في الصحراء ويمنينا بسواري كسرى وقيصر، ولكن بعد عشرين سنة، خرج أبطاله عليه الصلاة والسلام من المدينة، خرجوا يحملون لا إله إلا الله، خرجوا يوزعون لا إله إلا الله على البشرية، مع سعد بن أبي وقاص.
تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها
وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها
ووصلوا إلى هناك وفتحوا القادسية، وأتوا بكسرى وقيصر مربطين في الحبال، لأنهم كفروا بلا إله إلا الله، ولأنهم جحدوا لا إله إلا الله، ولأنهم ما استمعوا فعصوا لا إله إلا الله، وأخذوا السوارين وجعلوها في يدي سراقة، الذي أتى بالفرس وبكى، قالوا: مالك تبكي؟ قال: حبيبي وعدني بذلك وصدق حبيبي: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] واسغفر لذنبك يوم تذنب، وإذا علمت أنه لا إله إلا الله، فما الذي يضرك.