كان اليهود يعلمون أن رسول الله مرسل من عند الله، يقول أحد الأنصار: كان في المدينة شيخ كبير من اليهود قد بلغ من الكبر عتياً، يقوم فينا صباح مساء فيحدثنا عن أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما أتى صلى الله عليه وسلم رأينا الوصف والعلامات كما كان يحدثنا، فأسلمنا وكفر ذاك الشيخ، وصدقنا وكذب ذاك الشيخ اليهودي، فذهبنا إليه وقلنا: هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ليس هو، فأنزل الله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89].
كان عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه من اليهود وقد أسلم؛ لأنه قرأ أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: {انجفل الناس من المدينة، فانجفلت معهم إلى رجل، فإذا هو متوسطٌ الناس، وقد ازدحموا عليه، فأسرفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظرت وإذا وجهه كالقمر ليلة البدر، فقلت في نفسي: والله ما هذا الوجه بوجه كذاب، فقلت: يا رسول الله! بم جئت؟ قال: جئت بلا إله إلا الله وأني رسول الله، ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام، فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، وجدناك مكتوباً عندنا في التوراة، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، ثم قال عبد الله بن سلام: يا رسول الله! اليهود قوم بهت -أهل زور وكذب وخداع- فاسألهم عني ولا تخبرهم أني أسلمت، فخبأه صلى الله عليه وسلم في مكان، واستدعى اليهود، وقال: كيف عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، وفقيهنا وابن فقيهنا، قال: فإنه قد أسلم، قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عليهم ابن سلام، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، وخبيثنا وابن خبيثنا، وجاهلنا وابن جاهلنا} فعندها كانوا يفترون المفتريات، ولما ولد ابن الزبير رضي الله عنه، كان رداً حاسماً عليهم.