قالت الثامنة: {زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب، وأنا أغلبه والناس يغلب} استمع محمد صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث، فمن باب أولى أن تسمعوا هذا الحديث قالت: زوجي المس مس أرنب، أي: خفيف المس طيب لين، بإمكانها أن تداعبه، وأنه قريب، لأن بعض الناس بعيد حتى على أطفاله.
دخل الأقرع بن حابس على محمد عليه الصلاة والسلام -والحديث صحيح- فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الأطفال ويأخذهم ويقربهم؛ قال الأقرع: يا رسول الله؛ تقبلون الأطفال عندكم؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم.
قال: عندي عشرة أبناء والله ما قبلت واحداً منهم، قال: وهل أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، أي: لستُ مسئولاً على أن الله نزع الرحمة من قلبك.
تقول: إنه قريب المس، أي: أنه يداعب أطفاله وأنه قريب وسهل.
والريح ريح زرنب، الزرنب: شجر طيب الرائحة تقول: دائماً يتطيب والنساء يعجبهن الطيب، وعلى المسلم أن يكون مطيباً دائماً.
رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب
وكان عرق محمد عليه الصلاة والسلام كأحسن المسك وإذا صافحه المصافح بقي وقتاً طويلاً كما قالوا يجد رائحة الطيب في كفه، والطيب من أحسن ما يكون، ولذلك أوصي به إخواني عند المصافحة والملاقاة، ودخول البيت، والذهاب إلى الصلاة، وهو يزكي النفس، ويفتح الذهن، ويجعل للإنسان تأصيلاً في عقله، ويركز اهتمامه، وهو قوت الروح.
ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا
وما ذاك إلا أن هنداً عشياً تمشت وجرت في جوانبه بردا
والريح ريح زرنب، وأنا أغلبه والناس يغلب، تقول: أنا أغلبه، ومن الناس من تغلبه النساء، وهن شرُ غالبٍ لمن غُلِب، من الرجال من تغلبه النساء في الضرب وفي الأمر والنهي وفي كل شيء.
والناس يغلب، تقول: ويغلب الناس، ولكني أغلبه في البيت، تمدحه بذلك وتثني عليه، وهذه من الخصال الممدوحة، كان محمد عليه الصلاة والسلام، سهلاً تقول عائشة: {كان رجلاً سهلاً} تقول له: أأعتمر يا رسول الله؟ -بعد أن قضت الحج- قال: {يا عبد الرحمن اذهب بها إلى التنعيم فأعمرها} فكان سهلاً عليه الصلاة والسلام.
وكان يجلس مع النساء فيتحدث معهن وترتفع أصواتهن، فلما اقترب عمر وسمعن جلبته وصوته ابتدردن الحجاب فقال: يا عدوات أنفسكن! كان أولى أن تهبن رسول الله، فقامت امرأة وقالت: أنت فظٌ غليظ وليس كذلك رسول الله، قال الله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].