الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، الحمد لله ما اجتمع الصالحون، وما تواصل الأخيار الأبرار المفلحون، والحمد لله ما ذكر إلههم الذاكرون، والحمد لله ما غفل عن ربهم الغافلون، وصلى الله وسلم على المعلم الأول، الذي أتى وقال الله له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1].
وأتى بـ {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) [القلم:1].
الذين تكلم للناس فكان أفصح الناس وهو ما قرأ ولا كتب!!
كفاك باليتم في الأمي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم
وعلى آله مصابيح الدجى، وغيوث الندى، وليوث الوغى، ومن سار على منهجهم إلى يوم الدين، ثم اعلموا -بارك الله فيكم- أن عنوان هذا الدرس من أخبار النساء.
وللنساء أخبار وعجائب، وسوف نأخذ هذه الأخبار من ثقة، من عائشة رضي الله عنها، من أم المؤمنين، من الصديقة بنت الصديق، من الطاهرة بنت الطاهر، من المبرأة من فوق سبع سموات، نأخذ هذه الأخبار -أخبار النساء- من بيت محمد عليه الصلاة والسلام، من البيت الذي أسس على التقوى، والذي شعت منه أنوار القداسة، وأنوار الرسالة والهداية، والذي صدع منه النور حتى غطى العالم، والذي وصفه حاله أنه بيتٌ من طين:
كفاك عن كل قصرٍ شهاقٍ عمدٍ بيت من الطين أو كهف من العلم
تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم
بيت من الطين، إذا نام فيه عليه الصلاة والسلام مس رأسه طرف البيت ورجلاه الطرف الآخر، أما بساطه فمن سعف النخل يؤثر في جنب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وسقفه من سعف النخل، ومصابيحه إنها إضاءات من أعوادٍ كانت توقد في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن يكفي أن محمداً صلى الله عليه وسلم في البيت.
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
وإني لأستغشي وما بي غشاوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا
وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا
نورٌ بعثه الله جلس في هذا البيت؛ فاسمع إلى الخبر، كانت عائشة تجلس معه رضي الله عنها وأرضاها، ووجد عليه الصلاة والسلام فراغاً في برنامجه اليومي، وجد ساعة زمنية وكان يلاطف نساءه ويمازحهن، ويسأل عن أخبارهن، فهذا الدرس اليوم هي تلك الساعة أنقلها لكم، وقد نقلها الإمام البخاري ومسلم والطبراني، أنا سوف أعرضها لكم كما عرضتها أم المؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقته عبادة، ووقته رسالة وجهاد، وتضحية وبذل وعطاء، لكن وجد ساعة يرتاح فيها، فجلس مع عائشة يسألها عن الأخبار، وهو حديث أم زرع، وسبب هذا الحديث عند بعض العلماء أن الرسول عليه الصلاة والسلام سألها: هل ترضى بمعاملته صلى الله عليه وسلم؟
وكانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها فصيحة، كانت تعرف أخبار الجاهلية، قال بعض الرواة: كانت تحفظ ثمانية عشر ألف بيت شعر، هي راوية للأشعار، وهي كأبيها أبي بكر الصديق من أفصح العرب، وكان يعرف أنساب العرب، وإذا أتى إلى أبي بكر رجل قال: من أين أنت؟ قال: من غطفان قال: من أي بيوت غطفان؟ قال: من فزارة قال: من أي فزارة؟ حتى يوصله إلى بيته فهو نسابة وبنته نسابة، ومن يشابه أبه فما ظلم.
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا
وكان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة حباً جماً ويقول كما في الصحيح: {فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام} وهي زوجته في الجنة، فسمع حديثها، وحديث المرأة الدينة العاقلة كما قال ابن الرومي في زوجته:
وحديثها السحر الحلال لو انه لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ود المحدث أنها لم توجز
سلسٌ يسلي القلب في غمراته بمطرزٍ عذبٍ وغير مطرز