واعلموا أن التوحيد لما ضعف قل ارتياد المسلم للتوبة.
التوبة أمر عظيم، ولولا وجود التوبة لي ولك لمتنا يأساً.
التوبة حبل، التوبة باب، التوبة طريق، التوبة كالماء البارد، تقسو قلوبنا، تنقطع حبالنا، تيأس أرواحنا، تدمع عيوننا فنتذكر باب التوبة المفتوح: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].
يا موظفاً أسرف على نفسه في وظيفته وأساء! باب التوبة أمامك مفتوح لتكون كالأخيار من صحابة محمد صلى الله عليه وسلم يوم رعوا الله في وظائفهم ومسئولياتهم، وفي إمرتهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} وقال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ َالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72].
يا أستاذاً أساء في تدريسه، لم يحضِّر مادته، ولم يدع إلى الله، وما صدق في تدريسه، ولا أخلص ولا راقب الله! أنت مدعو لكي تتوب وتراجع حسابك مع الله، وأن تكون معلماً كما كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم معلمين: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44].
يا معلماً أتى إلى أبناء المسلمين لكي يعلمهم! أدعوك إلى أن تطهر مسيرتك منذ اليوم.
يا تاجراً تعامل بالربا يا تاجراً ما صدق في بيعه وشرائه! يا تاجراً ما أنفق وما قدم لنفسه! يا تاجراً ما مهد لقبره! أنت مدعو اليوم للتوبة، وإلى مراجعة حساباتك في تجارتك، وطلب الحلال، والإنفاق منه، واعلم أنك إن لم تتب كان مالك وبالاً عليك، وكان الشجاع الأقرع رفيقك ولادغك في قبرك.
ويا أعرابياً ما تعلم السنة في البادية! تجيد قيادة السيارة، ولبس الثوب، وأكل الطعام، وبناء البيت، وركوب الطائرة، لكنك ما حفظت الفاتحة! أنت مدعو لطلب الفقه في الدين، واجب عليك أن ترتحل، ولو كلَّ جوادك وتعب جسمك، ولو أنفقت من مالك، إلى أن تتعلم وتتثبت من طلبة العلم والدعاة فتتعلم كل ما يهمك.
يا أعرابياً أشرك بالله! أنت مدعو إلى أن تتوب، وأن تعرف أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله.
الذهاب إلى الكاهن شرك، وإلى العراف شرك، وإلى الجاحد شرك، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أتى عرافاً أو كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أتى عرافاً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد}.
يا امرأة مسلمة! أنت مدعوة اليوم إلى التوبة، وإلى العودة إلى الواحد الأحد.
ويا طالب علم، طلب العلم للدنيا وللظهور والشهرة وأساء بطلب العلم، ولم يعمل بعلمه! أنت مدعو إلى أن تتقي الله بعلمك:
إذا ما لم يزدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا
وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا
ويا طبيباً في مستشفيات المسلمين! اتق الله في أمور: أولاها أن تخلص في علمك؛ لينفع الله بك، وأن تحتسب الأجر على الله.
ثانيها: عندما تحاول أن تعالج الأجسام، حاول أن تعالج الأرواح، فإن المريض بين يديك كالغريق في البحر يتعلق في القشة، فأدنى كلمة منك وهو في المرض تدعوه فيها إلى الله تنفعه بإذن الله، لقنه مع إبرتك وحقنتك، ومع أدواتك ومع علاجك التوحيد، اغرس الإيمان في قلبه قل له: لا إله إلا الله، قل له: اعلم أني أنا الطبيب لا أنفع ولا أضر، الطبيب هو الله:
قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا
قل المريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا
ثالثها: أن اتق الله في أعراض المسلمين، لا يجوز لك أن تخلو بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا يجوز لك أن تنظر نظر ريبة ومعصية، فلتتق الله عز وجل، ولتعلم أنك في مسئولية عظيمة، وفي أمر جسيم، وأنت معرض لأمرين: إما أن تنقذ نفسك؛ فتكون من أحسن الناس إلى الجنة، وإما أن تعرض نفسك للبوار في الدنيا والآخرة نسأل الله العافية.