Q يقول السائل ما صحة هذه العبارات: فلان غني عن التعريف، العصمة لله ولرسوله، المرحوم فلان بن فلان إذا توفي، انتقل إلى مثواه الأخير، قول القائل: الله ورسوله أعلم؟
صلى الله عليه وسلم أما قولهم: فلان غني عن التعريف فالعبارة خطأ، يعني: يأتي محاضر أو شيخ أو عالم أو داعية أو مسئول فيقدمون له، ويقولون: فلان غني عن التعريف.
قال بعض العلماء: الغني عن التعريف هو الله، والعبد لا بد أن يُعرَّف به وليس بغني عن التعريف.
وفي سنن الترمذي بسند ضعيف أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {إذا لقي أحدكم أخاه فليسأله عن اسمه ونسبه فإنه واصل المودة}.
وعند مسلم في الصحيح من حديث وفد عبد القيس الذي رواه ابن عباس: {إن الوفد قدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: من الوفد؟ -أو من القوم؟ - فقالوا: من مضر، قال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى} فسألهم عن أسمائهم عليه الصلاة والسلام وهو من باب التعريف.
ودليلهم من القرآن قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].
فلا تقل: فلان غني عن التعريف، ولا تسل عن قبيلته وعن نسبه، فالغني عن التعريف هو الله، ولذلك صاحب أعظم كتاب من كتب النحو سيبويه، وقد كان ذكياً من أذكياء الدنيا مات وعمره (32) سنة، فلما مات رئي في المنام -وأهل الحديث يقولون: سيبوْيَه، وأهل النحو يقولون: راهوَيْه، وأهل الحديث يقولون: راهوْيَه، وسيبويه أعجمي وهو لا يستطيع أن يتكلم، فإذا قام يتكلم في الخطب تلكأ، لكن إذا كتب تجده حافظ الدنيا.
قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: لأني عندما أتيت إلى لفظ الجلالة قلت: الله لفظ الجلالة أعرف المعارف غني عن التعريف فما عرفته.
فالغني عن التعريف هو الله عز وجل؛ لأنه تعرف إلينا بآياته في كل مكان؛ فلا تلمح ولا تنظر ولا تتأمل إلا ويدلك ما تنظر إليه إلى قدرة الله، نظري إليكم ونظركم إلي، ونظركم في أجسامكم ونظركم في السماء، ونظركم في الأرض والشجر والمدر والحجر والماء والضياء والسماء تدل على رب الأرض والسماء:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
فكلمة غني عن التعريف هي لله عز وجل، والإنسان يُعرَّف، ولو كان معروفاً عند الناس فإنه يقال: فلان بن فلان، يشتغل في كذا، من قبيلة كذا، وهذا ليس من باب العنصرية؛ لأن القبائل التي جعلها الله عز وجل ليس لفضل قبيلة على قبيلة؛ بل المقصود التعارف: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13].
- العبارة الثانية: العصمة لله ورسوله: صحيح أن العصمة للرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز أن نقول: العصمة لله؛ لأن المعصوم لا بد له من عاصم، والله لا عاصم له، وجلَّ الله أن يكون له عاصم.
فالله هو الذي يعصم غيره ولا يعصمه غيره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
فتجد بعض الناس يقولون: نحن أخطأنا، العصمة لله ورسوله، فالعصمة للرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى زكى الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:1 - 6].
فالله عز وجل غني قادر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يحتاج إليه غيره ولا يحتاج إلى غيره أبداً.
فالذي يقول: العصمة لله فكأن الله معصوم من غيره، وهذا ليس بصحيح.
- العبارة الثالثة: المرحوم فلان بن فلان، والذي انتشر في الصحف والجرائد والمجلات -الآن- أنه إذا توفي رجل قالوا: المرحوم فلان بن فلان، وهذه تعتبر شهادة ولا يعلم الغيب إلا الله، بل يقال له من باب الإنشاء: رحمه الله وغفر الله له، وأسكنه فسيح جناته، ولا يقال له: المرحوم من باب الخبر، ولا يقال: المغفور له، ولا المرحوم، ولا الشهيد، فإن هذا من باب الخبر.
والخبر فيه تقوُّل على الله؛ لأن الخبر لا يأتي إلا عن طريق الكتاب أو من المعصوم عليه الصلاة والسلام، ونحن ليس عندنا خبر، لكن يجوز من باب الإنشاء أن تقول: غفر الله له رحمه الله.
وفي صحيح البخاري: {أن امرأةً لما توفي عثمان بن مظعون قالت: طوبى له من أهل الجنة، فغضب عليه الصلاة والسلام وقال: وما يدريك وأنا رسول الله ينزل عليَّ الوحي صباح مساء، والله ما أدري ما يُفعل بي} يقول: أنا رسول الله يأتيني الوحي من الله ولا أدري ماذا يفعل بي، وأنتِ تشهدين لرجل أنه من أهل الجنة، ما يدريك؟
فالعلم عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وفي أحد قاتل قزمان وكان من أشجع الناس، وقد سمع بالمعركة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، فأخذ سيفه وقاتل قتالاً شديداً، فأصابته ضربة سيف في رأسه حتى أثخنته الجراح، فحمل إلى دار بني ظفر، ثم لم يصبر على قضاء الله، فسلَّ السيف واتكأ عليه حتى خرج من ظهره وكان إذا ذكر عند الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إنه من أهل النار}.
فلا يشهد لأحد أنه من أهل الجنة إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لأحد من أهل النار خصوصاً من المسلمين إلا من شهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مسألة: يشهد للشهداء على الأجناس ولا يشهد لهم على الأشخاص، مثلاً: من يقتل في أفغانستان فنقول على الأجناس: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، أما أن نقول: فلان بن فلان المولود عند دار فلان شهيد، فهذا تقوُّل على الله، فنحن لا ندري، لكن نتمنى أن يكون شهيداً، ونسأل الله عز وجل له الشهادة، فالله عز وجل يقول عن أجناس الشهداء: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] فقوله: قتلوا أي -أجناس القتلى- لكن الأشخاص علمهم عند الله عز وجل.
- العبارة الرابعة: انتقل إلى مثواه الأخير، وهذه العبارة اشتهرت -أيضاً- في الصحف وفي بعض الأندية وفي المجامع العامة والمجالس، قال كثير من أهل العلم: إن كلمة (مثواه الأخير) توهم معنىً إلحادياً، فإن أهل الإلحاد -عليهم لعنة الله- يقولون: إن القبر هو المثوى الأخير، أي: لا جنة بعده ولا نار، ولا حساب ولا صراط، ولا ميزان، ولذلك فإن عمر الخيام صاحب الرباعيات الذي يقول:
فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر
يقول: أعطني الخمر اليوم لأنني إذا وصلت القبر لم يعد هناك لذائذ، وليس في القبر حساب ولا عقاب ولا جنة ولا نار، يقول: أعطني اللذائذ اليوم، وقدم لي المعاصي:
فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر
لبست ثوب العمر لم أستشر وتهت فيه بين شتى الفكر
يقول: أنا لم أستشر عند خلقي، ولو استُشرت لقلت: لا أريد أن أخلق، سبحان الله! {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون:91] {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5].
فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فهو عبد مخلوق، ويقول:
لبست ثوب العمر لم أستشر وتهت فيه بين شتى الفكر
ثم أتى يقول لصاحبه: اعمل فإن مثواك الأخير القبر.
وهذا رأي للملاحدة، ولا نريد من أهل الإسلام أن يشابهوهم فيه، فليس المثوى الأخير هو القبر، وليست النهاية الأخيرة هي القبر، بل بعد القبر جنة أو نار، وحساب، وموقف، وصراط وميزان، وتطاير الصحف:
مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور
إن قيل: نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي ومالك نور
حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور
لا بد من الوقوف، والله! لنبعثن ولنقفن عند الواحد الأحد.
فلا يقال: إلى مثواه الأخير، بل يقال: إلى القبر، أو مات، أو انتقل.
هذا هو الصحيح، لأن هذه الكلمة يستغلها الملاحدة كثيراً.
ولذلك يقول إيليا أبو ماضي وهو أعمى القلب، وهو شاعر لبناني عليه غضب الله:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
يقول: لا أدري لماذا أتيت؟ ولماذا خلقت؟ ولماذا أكلت؟ ولماذا شربت؟ فهو دابة بهيمة: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44].
>جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!!
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!!
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!!
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري!!
ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!!
لكنه سوف يدري: {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9 - 10].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94].
فهذه الأسماء اللامعة -يا شباب الإسلام- موجودة كتبهم ودواوينهم في الساحة، مثل: بشارة الخوري هذا المجرم النصراني الخبيث، والشاعر اللبناني الكافر، الذي كفر بالله، ويوم نزل في دمشق حملوه على الأكتاف حتى أوصلوه من المطار إلى الفندق.
يقول هذا المجرم:
هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم
يقول: أعطوني أي دين يؤلف العرب.
ثم يقول:
بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
يقول: قدم بلادك ووطنك وتراب أرضك على كل دين، ثم يقول:
فيا حبذا كفراً يؤلف بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
نسأل الله أن يصليه بعدله جهنم.
ونزار قباني المجرم الآخر عابد الجنس والمرأة؛ استهزأ بالرسول صلى الله عليه وسلم أعظم وأصلح من خلق الله وأشرف من رفع الله، هذا المجرم له أبيات من الإلحاد، وأشرِّف هذا المكان أن أذكرها على لساني ولكن يجازيه ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وإنما نبين هذا من باب البيان: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55].
- أما العبارة الخامسة فقولهم: الله ورسوله أعلم.
أما في حياته صلى الله عليه وسلم فتطلق، فهو يعلم بعلم الله له في حياته، أمَّا بَعْد موته فلا يصح أن نقول: الله ورسوله أعلم، وإنما نقول: الله أعلم، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام مات وهو في قبره لا يعلم ولا يشافي ولا يعافي ولا يرزق، وهذا على خلاف معتقد غلاة الصوفية الذي يقول شاعرهم القبوري المشرك البرعي شاعر اليمن لما أتى إلى قبره عليه الصلاة والسلام وأخذ الحديد وبكى وهو يقول: شافي مريضي، لأن عنده بنت مريضة في اليمن، ويقول: أنا مذنب يا رسول الله، والرسول صلى الله عليه وسلم في قبره! يقول في قصيدته:
يا رسول الله يا ذا الفضل يا بهجة المحشر جاهاً ومقاما
فأقل لي عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاماً
وهذه كلمة شركية تخرجه من الملة.
والبوصيري صوفي غالٍ من أصحاب المسابح الذين لا يعرفون من الإسلام شيئاً، وليس عندهم من نور الإسلام ولا من الهداية إلا الخرافة والخزعبلات، فهؤلاء مشركون، وقف البوصيري فقال:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
ولذلك ألَّف ابن تيمية مجلدات في الرد عليهم، من قرأها فهي الدواء والعلاج والشفاء، وهي نور على نور.
فبعد وفاته صلى الله عليه وسلم، يقال: الله أعلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لا يعلم.