قال أهل العلم في النذير، هو: الموت.
وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل: القرآن.
وقيل: الإسلام.
وقيل: الشيب.
وذكر عن بعض السلف أنه قال: "من بلغه الله ثماني عشرة سنة فقد أعذر إليه وأنذر"، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من بلغه الله ستين سنة فقد أعذر الله إليه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فإذا تفكر المسلم أنه قد جاءته من الله نذارة وإعذار وجب عليه أن يستغل هذه الدقائق في مرضاة الله الواحد الأحد:
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني
أما معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر:37] فالمعنى: أولم نمهلكم؟
ألم نمد لكم في الأجل؟!
أما تركناكم تعيشون حتى جاءتكم النذارة؟!
أما تركنا لكم مهلة بإمكانكم أن تتذكروا فيها القدوم علينا فهل تذكرتم؟ وهذا بإيجاز.
ولذلك قال بعض أهل العلم: الشيب هو النذير، فمن شابت لحيته ورأسه فقد أتاه من الله النذير.
قال سفيان بن سعيد الثوري: " من شابت لحيته أو رأسه فليعد للقبر عدته وليشتر كفناً ".
ولقد بكى العلماء والصالحون الشيب، وعلموا أنه داعي القبر، وأنه بريد الموت، وأنه سائق إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
قال الإمام أحمد: " والله ما مثلت الشباب -يعني: أول العمر- إلا بشيء كان في يدي ثم سقط من يدي " وقال أبو العتاهية:
بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغن البكاء ولا النحيب
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب
يقول: يا ليت الشباب -أول العمر- يعود إليَّ فأخبره ماذا فعل بي المشيب؟ غيَّر لوني، وغير بهجتي، وحطم قوتي، وأذاب سخونة شِعْري، ودنف ظهري، وأسهرني، وأبكاني.
ولذلك نام شباب مع شيخ كبير في بيت، وكان هذا الشيخ قد بلغ الثمانين من عمره، ومن المعروف أن الشباب ينامون من أول ما يضع أحدهم رأسه، وهكذا غالب الشباب، أما هذا الشيخ فما نام طول الليل؛ دائماً في أنين في شهيق وزفير حتى صلاة الفجر، فقال له الشباب لما صلوا الفجر: لم تتركنا ننام البارحة، فقال قصيدة يقول فيها:
قالوا أنينك طول الليل يزعجنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا
قالوا: أنينك طول الليل يزعجنا؛ سهرنا سئمنا لم يتركنا ننام فما الذي تشتكي؟ أظلمك ظالم؟ هل اعتدى عليك معتد؟ هل سلب حقك سالب؟:
قالوا أنينك طول الليل يزعجنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا
أشتكي إليكم سن الثمانين.