وذكر أن هارون الرشيد لما حضرته الوفاة قال: اعرضوا عليَّ الجيش، فرأى الجيش فقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه.
فلا ملك إلا من ملكه الله التقوى، وأعطاه الله عز وجل اليقين، وأرشده الله بالعلم النافع، إلى جنة عرضها السماوات والأرض.
فهذه بعض نماذج الصالحين الذين عاشوا لله وانتصروا على الشهوات، غضوا أبصارهم وحفظوا فروجهم وأسماعهم وأياديهم، فقلوبهم طاهرة، وألسنتهم بالذكر عامرة، ووجوههم بأنوار التقوى باهرة، فلا إله إلا الله! كم سافرت قلوبهم إلى الله، ولا إله إلا الله كم غرس في قلوبهم من شجرة: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:25] وأعظم ما يمنى به أهل الشهوات يصابون بداء المعاصي في حياتهم، فيعاقبون بعقاب أليم في الحياة، قبل أن يأتي يوم الله الموعود.
لذلك ذكر الله بني إسرائيل ومعاصيهم، فقال: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] قال أهل العلم: من عقوبة الذنوب نسيان العلم، فقال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] ومن عقوبة المعاصي أنها تنسي المحفوظ، قال الإمام الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي
ورأيت في بعض كتب السير، أن أحد الناس نظر إلى منظر لا يحل له، فقال له أحد العلماء: سبحان الله! تنظر إلى منظر لا يحل لك! لتجدن عقوبتها ولو بعد حين، قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة، فهذه عقوبة المعاصي.