ولما نقص توحيدنا تعطلت المساجد عن الصلوات، الكثير منا جار للمسجد ولكن لا يصلي؛ لأن توحيده ضعيف، ولما ضعف التوحيد في قلوبنا كثرت المعاصي، أموال الكثير من الربا؛ يأكل الربا، ويشرب الربا، ويبني من الربا، ويشتري سيارته من الربا ويقول: {يا رب! يا رب! يا رب! ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟}
لما ضعف التوحيد في قلوبنا، قطعنا الجار الذي وقف عليه الصلاة والسلام مع جبريل، وجبريل يوصيه بالجار، قال صلى الله عليه وسلم: {ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه} وأكثر خصومات الناس -إلا من رحم ربك- بين الجيران، لأن التوحيد ما رسخ في القلوب.
جار يعتدي على جاره يسبه فلا يأمنه، إذا غاب ينتهك حرماته، يقف له في كل مرصد، يغير الحدود ومنارات الأرض، فأين حق الجوار؟! يجلس معه عند القاضي مشاكساً مخاصماً مدعياً، مغتاباً نماماً فاحشاً.
ورد في الحديث: {أن جاراً اشتكى جاره، فأتى صلى الله عليه وسلم إلى الرجل وقال: اصبر واحتسب اصبر واحتسب، لكن ذاك لم يتعظ، قال: يا رسول الله! آذاني وسبني وشتمني، قال: خذ متاعك وانزل إلى الطريق، فنزل بأطفاله وزوجته ومتاعه ومر الناس عليه، فقالوا: ما لك يا فلان؟ قال: أخرجني جاري من داري، قالوا: لعنه الله} فلعنه المصبح، والمغدي، والممسي، وبعدها تاب ذاك الجار لكن بعد أن أخذ لعناً.
ولذلك يقول ابن القيم: من سعادة الحياة أن يرزقك الله جاراً صالحاً، أما رأيت امرأة فرعون إذ قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11] فقدمت الجار قبل الدار، فقالت: (عندك في الجنة) ولم تقل (في الجنة عندك) ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه} فمن ضعف التوحيد في قلوبنا وعدم اتصالنا بالباري كما اتصل الصحابة؛ ضعف هذا الكيان.
كان عليه الصلاة والسلام وهو معلم التوحيد جاره يهودي، فإذا اشترى الرسول صلى الله عليه وسلم لحماً أو فاكهة أو تمراً أو لباساً فإنه يبدأ بإعطاء اليهودي، وفي الأخير اضطر اليهودي أمام هذا الواقع أن يسلم، أتى إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن دينك الذي جعلك تتعامل معي وأنا خصمك، وأنا يهودي بهذا التعامل لهو دين حق.
عبد الله بن المبارك سكن مع جار يهودي في خراسان، وكان ابن المبارك مع اليهودي كالأخ مع أخيه، إذا اشترى لحماً لأطفاله قدم اللحم لأطفال الجار، إذا كسا أبناءه كسا أبناء اليهودي، كان اليهودي يؤذيه بنفاياته وزبالاته على بيته، فيسكت ويضمها ويقول لأهله: لا تخبروا اليهودي، وبعد فترة أتى التجار إلى اليهودي قالوا: نشتري بيتك، قال: بيتي بألفي دينار، أما ألف فقيمته، وأما ألف فقيمة جوار ابن المبارك، فأخبر ابن المبارك فدمعت عينه وقال: " اللهم اهده إلى الإسلام " وما هي إلا لحظات ويأتي اليهودي ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، إن ديناً جعلك تتعامل معي هذا التعامل لدين حق.
أجدادنا وصلوا إلى أندونيسيا وماليزيا ينشرون الجوار والتوحيد فعلم الناس أن دينهم حق، فانتشر بهم الإسلام، فيوم ضعف التوحيد في القلوب؛ وقع هذا التشاكس بين الجيران وهذه الخصومة.