ولما نزل سارع هذا الشيخ الذي قتل في أرض الروم إلى متاع الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى ملابسه وما عنده من شيء على الناقة فأخذه، فقال بنو النجار: عندنا يا رسول الله أنت ضيفنا قال: لا.
الرجل مع رحله فذهب وراء الشيخ الذي هو أبو أيوب الأنصاري ووصل معه إلى البيت فقال: يا رسول الله! عندي هذا البيت سفلى وعليه، اسكن في الأعلى وأنا هنا في الأسفل قال صلى الله عليه وسلم: أريد أن أكون قريباً من الناس وقريباً من المسجد فأريد هذا، يريد الأرضي فأسكنه وصعد أبو أيوب الأنصاري وزوجته الطاهرة النقية الشريفة إلى الدور الأعلى، وأتى وقت النوم فأخذ يتقلب أبو أيوب الأنصاري كأنه يتقلب على الرمضاء لا ينام قالت له زوجته: مالك يا أبا أيوب لا تنام؟ قال: والله ما أتاني النوم كيف أنام في العلو والرسول عليه الصلاة والسلام تحتنا، وفي الصباح حاول أبو أيوب أن يقنع الرسول عليه الصلاة والسلام فأبى، كان الطعام يقدم لـ أبي أيوب فيرفع يده وترفع زوجته يدها ويقولان: والله لا نأكل حتى يأكل الرسول عليه الصلاة والسلام فينزل بالصحفة ويقدم الثريد، ويشوي اللحم، ويضيف النبي صلى الله عليه وسلم أحسن ضيافة عرفها التاريخ.
وفي ليلة من الليالي يقوم أبو أيوب ليصلي فيقع في جرة الماء فتنكسر فينصب الماء في الأرض وينسكب في الأرض، فيأخذ شملته وينشف بها الأرض لئلا يتصبب الماء على المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم يقول: يا رسول الله! أسألك بالله أن تصعد في العلو وأنا في السفلى فصعد عليه الصلاة والسلام، قدم له من الإكرام ما لم يقدمه عربي لعربي، ولا مسلم لإمام عظيم ولا مضيف لضيف، إذا أراد صلى الله عليه وسلم أن يخرج قدم أبو أيوب حذاءه وألبسه في رجليه، يقف ليستقبله ويقف ليودعه، حول نفسه إلى طباخ في البيت يقدم جهده وعرقه وكل ما يملك ليفي بالضيافة، وحفظها له عليه الصلاة والسلام ولم يضيعها أبداً فكان يدعو له، ويتفقده، وكان يرى أنه الشيخ المبارك الذي أصبح فيه كل شيء أبيض، دينه ولحيته ورأسه ومبادؤه.