ففي الحديث المتقدم يقول الله تبارك وتعالى: {يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} وهذا دل عليه الكتاب والسنة قال عز من قائل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] وقال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] ولذلك أثر عند كثير من أهل العلم أن عابداً من بني إسرائيل عبد الله أربعين سنة، ثم رجع على عقبيه وعصى الله أربعين سنة، ثم نظر إلى المرآة فإذا الشيب قد غطى لحيته ورأسه فبكى، وقال: يا رب! أطعتك أربعين سنة، وعصيتك أربعين سنة فهل لي من توبة؟ فسمع هاتفاً يقول: أطعتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإن رجعت إلينا قبلناك.
فالله الله في العودة إلى الله دائماً وأبداً؛ فإننا كلنا أهل ذنب وخطيئة، وأهل فحش وفجور، كما قال صلى الله عليه وسلم: {كلكم خطاء، وخير الخطائين التوابون} وقال عليه الصلاة والسلام: {والله لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ آخرين يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم} فما حلنا من ورطة الذنب والخطايا، إلا بالتوبة النصوح والاستغفار صباح مساء، وأن ندرأ بالحسنة السيئة فإن الله مدح قوماً فقال: {وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:22] وقال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين فإنكم في الذنب والخطيئة صباح مساء]] وصدق رضي الله عنه فإن عيوننا تذنب وقلوبنا تذنب، وأبصارنا وآذاننا وأرجلنا وأيدينا ولا يغسلها إلا التوبة والاستغفار، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] واستغفروا الله يغفر لكم وقدموا من الحسنات ما يكفر عنكم السيئات، ومن فعل منكم في سابق العمر ذنباً مهما بلغ من الكبائر، ولو كانت كالجبال، فليعلم أن الله يغفرها بعد التوبة، وأن الله لا يتعاظمه شيء، وأن الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم أضل راحلته في الصحراء، ثم وجدها عليها طعامه وشرابه.
فيا فرحة التائبين، ويا قرة عيون المنيبين، ويا سرور المستغفرين لله تبارك وتعالى!
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا}
اللهم صلِّ على حبيبك ونبيك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.
اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفلسطين وفي كل بلد من أرضك يا رب العالمين.
اللهم ارفع رايتهم وثبت أقدامهم، وأنزل النصر والسكينة عليهم، اللهم وحد صفوفهم واجمع شملهم، واجعل سهامهم في نحور أعدائهم، يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلّم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.