بداية ظهور التوحيد

بُعث محمد عليه الصلاة والسلام والدنيا مظلمة، شوهاء عمياء، لا تجد طريقاً ولا مسلكاً ولا نوراً ولا هداية، فهدى الله به الناس، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] فلا إله إلا الله كم بصر به ربه من العمى! وكم أسمع به من الصمم! وكم هدى به من الضلالة! وكم علم به من الجهل! ولا إله إلا الله ما أعظم منته على الناس! لا إله إلا الله ما أشهر نوره! وما أذكر صيته! علم العجوز والطفل والشيخ الإسلام.

دخلت رسالته إلى الملوك، وخاطبت الفلاحين، وذهبت إلى البادية، فمن اهتدى بهدي محمد هداه الله وكفاه وشفاه ورعاه.

ومن أعرض عن محمد وعن رسالته، لعنه الله وأخزاه وأضله: {عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة:161] لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.

كل عين عمياء إلا عين رأت هديه، وكل أذن صماء إلا أذن سمعت بدعوته، وكل قلب ملعون إلا قلب استنار بنوره، وكل أرض مظلمة إلا أرض أشرقت عليها شمس رسالته:

إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها

بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها

لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها

لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

أتى إلينا وكان أجدادنا يعبدون الصنم، ويسجدون للوثن، يزنون، ويخونون، ويغشون، ويغدرون، ويفجرون، ويكذبون فأخرجهم من الظلمات إلى النور، وعلمهم توحيد الباري فارتفع على الصفا يقول: {يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا}.

وقال عليه الصلاة والسلام: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله} فجرد السيف وأخرج أصحابه كتائب، ودعا إلى طريق الجنة فمن عصاه قاتله، فإن انتصر عليه فالمقتول في النار، وإن هداه الله فإلى الجنة، فقام سوق الجنة وسوق النار، ونصب الميزان، وامتد الصراط على متن جهنم، وتطايرت الصحف، ونزل جبريل، وشهر سيف العدالة وأنشئ منبر العدل فما مضت خمس وعشرون سنة إلا والدنيا على حزبين كما قال الله تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] فاسأل الله الذي جعلنا في هذا المكان الطاهر أن يجعلنا من حزبه، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يجمعنا في زمرته، وأن يوفقنا لسنته، وأن يجعلنا من أتباع سيرته، وألا يضلنا بعد إذ هدانا، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هداها، وأن يوجهنا وإياكم وجهة حسنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015