وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الطهور شطر الإيمان, وسبحان الله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض, والصلاة نور والصبر ضياء, والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها} رواه مسلم، وإنما جعل صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الإيمان؛ لأنه طهارة للظاهر، والباطن أمره عند صاحبه إذا طهره فقد استكمل الطهارة، فجعل صلى الله عليه وسلم الطهارة أو الوضوء نصف الإيمان لأنه علامة اليقين، والله ثم والله، ثم والله، لا يحافظ على الوضوء إلا المؤمن، فإنه سر بين العبد وبين ربه الحي القيوم، ولا يعلم السر وأخفى إلا الله، ولا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور إلا الله، ولا يعلم ما بينك وما تضمر, وما تسر إلا الله، بإمكان الرجل أن يصلي وعليه جنابة فلا يعرف الناس أن عليه جنابة، وبإمكانه أن يدخل المسجد وهو منتقض وضوؤه ولكن الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور هو الله، فإذا توضأت علم الله أنك مؤمن, وإذا حافظت على الوضوء علم الله أنك مسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال صلى الله عليه وسلم: {ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى.
يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط} رواه مسلم، ومعنى إسباغ الوضوء على المكاره أن تسبغ وضوءك في شدة البرد، يوم ألا يمس المنافقون الماء البارد, ويتأذون به, فتقوم فتشرشر بالماء البارد على أعضائك الدافئة طلباً للفضل والأجر من الله، فيحت الله عنك الخطايا كما تحات الشجرة ورقها في شدة البرد, أو في الرياح الهائجة.
وقال أبو هريرة: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق -واستمعوا لطلاوة الحديث وحسنه- قال عليه الصلاة والسلام: {إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت خطاياه من عينيه حتى تخرج مع آخر قطر الماء} وفي رواية عند مسلم {خرجت خطاياه التي نظر بها -أي: نظر بعينيه في خطأ أو في حرام خرجت من الوضوء مع آخر قطر الماء- فإذا تمضمض خرجت خطاياه مع آخر قطر الماء، فإذا غسل وجهه خرجت خطاياه مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت خطاياه مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت خطاياه مع آخر قطر الماء، ثم إذا أتى المسجد ما مشى خطوة إلا رفع له بها درجة, وحط عنه بها خطيئة, فإذا جلس ينتظر الصلاة جلست الملائكة تدعو له وتقول: اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث}.
فهل يطلب المسلم أجراً بعد هذا، أو يريد نشاطاً بعد هذا الترغيب لينشطه على عبادة الله.
فيا من أراد أبواب الجنة! دونك أبوابها ثمانية فتحت لك، فتوضأ وادخل على الله من أقرب الأبواب وأيسرها، وتعال إلى المسجد طاهراً مطهراًَ من الذنوب والخطايا, فما أعظمك أيها المسلم! وهنيئاً مريئاً لك يوم تتوضأ كل يوم خمس مرات، وهنيئاً لك يوم تتطهر بالماء البارد فتخرج خطاياك من أعضائك، هنيئاً لك يوم تطلب رضوان الله، وجنته.
فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها
قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيشٌ نابت فيها
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.