ومن هذه القصة تؤخذ دروس:
الدرس الأول: أن ضيق الدنيا وسعتها لا تقارن بالدور، والقصور، والأموال، والأولاد، ولكن السعة بالإيمان الذي يجعله الله في صدر من يشاء، فمن رزقه الله الإيمان، فقد وسع عليه، ومن حرمه الإيمان، فقد ضيق عليه وسخط عليه ولعنه وأذله وبكته وخذله وحرمه.
الدرس الثاني: أن الإيمان يطلب، ومن طلبه وجده، وأنه لا يعلق بملك أو تجارة، أو بولد: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] يعطى الإيمان لـ بلال وهو عبد حبشي من أثيوبيا قدم رقيقاً، ويحرم الإيمان أبو طالب وهو سيد قرشي كان بين الركن والحطيم.
ويعطى لـ سلمان وهو من فارس.
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
الدرس الثالث: أن ضيق الدنيا وسعتها أمر نسبي وإضافي، فمن وجد السعادة في الإيمان، ولو كان في كهف أو في غار، ولو كان على كسرة خبز وينام على الرصيف فهو السعيد.
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد
يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
ومن لم يجد الإيمان، فإن الله يضيق عليه ويحييه حياة ضنكاً، ولو جمع الملاذَّ والمطاعم والمشارب.
الدرس الرابع: أن الفرار بالدين من الفتن سنة، وأمر شرعي مطلوب كما فعل أهل الكهف، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يوشك أن يكون خير مال المرء المسلم غنم يتتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن} فمن وجد فتنة، فليركب رجله وليفر وليذهب في الأرض الواسعة ولا يبقى في القرى الظالم أهلها الذين ينشرون الجريمة والمعصية، ويعينون على المنكر.
الدرس الخامس: أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا تولى حفظ، وإذا سدد هدى، ومن استكفى بالله كفاه، ومن احتمى بالله حماه، ومن توقى بالله وقاه، ومن استرعى الله رعاه، ومن ضيع الله ضيعه الله.
الدرس السادس: أن فيها نبأ عجيباً! وهو أن هذا الدين يتلقى بالوحي السماوي فليس بخزعبلات ولا ضلالات، وليس بتقليد وتبعية وإنشاء، إنما هو وحي يوحى، آية أو حديث، كتاب أو سنة، ويرد العلم إلى الله ثم إلى رسوله.
الدرس السابع: أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما أتى بعلم من لدنه، وإنما أتى بعلمه ورسالته من عند الواحد الأحد.
إلى غير تلك القضايا الكبرى التي من تدبر القرآن وجدها وأبصرها وعرفها واهتدى بهدى الله الذي هدى به رسوله صلى الله عليه وسلم.
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدةً صلى الله عليه بها عشراً}.
اللهم صلِّ على حبيبك ونبيك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، اللهم وفقنا لاتباع سنته، والسير على هديه، والاستفادة بمنهجه، وتعلم العلم الذي ورّثه، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور يا رب العالمين!
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين، اللهم حبب إليهم الكتاب والسنة، واجعلهم خدماً لهما، متشرفين بخدمتهما، رافعين لعلمهما يا رب العالمين.
اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم كفِّر عنهم سيئاتهم، وأصلح بالهم، واهدهم سبل السلام يا رب العالمين.
ربنا إننا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً، وإن لم تغفر لنا وترحمنا؛ لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.