ومنها أيضاً اللين في الخطاب، والشفقة في النصح، كما كان عليه الصلاة والسلام، كلامه ليِّن ووجهه بشوش، وتواضع عليه الصلاة والسلام للكبير والصغير، فتراه يقف مع العجوز ويقضي غرضها، ويأخذ الطفل ويحمله عليه الصلاة والسلام، ويذهب إلى المريض ويزوره، ويقف مع الفقير، ويتحمل جفاء الأعرابي، ويرحب بالضيف، ويوافق الإنسان، وكان إذا صافح شخصاً لا يخلع يده من يده حتى يكون ذلك هو المنتهي، وكان إذا وقف مع شخص لا يعطيه ظهره حتى ينتهي ذاك، وكان دائم البسمة في وجوه أصحابه -صلى الله عليه وسلم- لا يقابل أحداً بسوء.
فإذا فعل الإنسان ذلك كان أحب إلى الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ويرسل الله موسى وهارون عليهما السلام، إلى أطغى طاغية فيقول لهما وهما في الطريق: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] فالقول اللين سحرٌ حلال، قيل لأحد أهل العلم: ما هو السحر الحلال؟ قال: تبسمك في وجوه الرجال، وقال أحدهم يصف الدعاة الأخيار من أمة محمد صلى الله عليه وسلم:
هينون لينون أيسار بني يسرٍ صيدٌ بهاليل حفاظون للجار
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري
فأدعو إخواني إلى لين الخطاب، وألا يظهروا للناس التزمت، ولا الغضب، ولا الفضاضة في الأقوال والأفعال، ولا يأخذوا الناس أخذ الجبابرة فإنهم حكماء معلمون، أتوا رحمةً للناس، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] فالرسول صلى الله عليه وسلم رحمة، وأتباعه رحمه، وتلاميذه رحمة، والدعاة إلى منهج الله رحمة.