إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
إخوة الإيمان! إخوة الإسلام! إخوة العقيدة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشكركم شكراً جزيلاً على حضوركم، وأعلن أمامكم أني أحبكم في الله، وأسأل الله أن ينفعني وإياكم بهذه المحبة، فإن الله يقول في محكم التنزيل: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] اللهم إنا نسألك صدق النية، وصلاح الذرية، والعيشة الرضية، اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، وحب أوليائك وكره أعدائك، اللهم أصلح منا القلوب، واستر منا العيوب، واغفر لنا الذنوب.
وفي الحقيقة أنني مدين بالشكر لكم، إذ إن هذا الدرس وهو بعنوان (فن الدعوة) هو نتاج أفكاركم، ومن الفتوحات التي فتحها الله عليكم في اقتراحاتكم ورسائلكم، ومشاركاتكم، ومثلي ومثلكم هذه الليلة كما قال الشاعر:
كالبحر يمطره السحاب وما له فضلٌ عليه لأنه من مائه
الدعوة -يا معاشر أهل الإيمان، ويا حملة لا إله إلا الله- فنٌ يجيده الدعاة الصادقون، كفن البناء للبناة المهرة، وفن الصناعة للصناع الحذاق، وكان لزاماً على الدعاة أن يحملوا هموم الدعوة، ويجيدوا إيصالها للناس؛ لأنهم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم، ولابد على الدعاة أن يدرسوا الدعوة، ولوازمها ونتائجها، وأساليبها، وما يجدُّ في الدعوة، وكان لزاماً عليهم أن يتقوا الله في الميثاق الذي حملوه من معلم الخير عليه الصلاة والسلام، فإنهم ورثة الأنبياء والرسل، وهم أهل الأمانة الملقاة على عواتقهم، إذا علم ذلك فإن أي خطأ يرتكبه داعية؛ يؤثر في الأمة، ويكون الدعاة هم المسئولون بالدرجة الأولى عما يرتكب من خطأ، أو ما يحدث من فشل؛ بسبب أنهم هم رواد السفينة التي إذا قادوها إلى بر الأمان نجت بإذن الله.
واعلموا -حفظكم الله- أنه ينبغي على الدعاة ويجب عليهم آداب لابد أن يتحلوا بها حتى يكونوا رسل هداية ومشاعل حقٍ وخيرٍ يؤدون الرسالة كما أرادها الله.
وإن مما ينبغي على الدعاة -أيها الكرام- أولاً: الإخلاص في دعوتهم، وأن يقصدوا ربهم في عملهم، وألا يتطلعوا إلى مكاسب دنيوية زائلة، وإلى حطامٍ فانٍ، ولسان الواحد منهم يقول: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الشعراء:127] {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ:47] فلا يطلب الداعية منصباً، ولا مكانةً ولا منزلةً، ولا شهرةً، بل يريد بعمله وجه الواحد الأحد إنك تعلم ما نريد.
خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريباً
فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا
وكذلك يكون مقصود الداعية: إقامة الدين وهيمنة الصلاح، وتقليص الفساد في العالم {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] والداعية -أيها الإخوة- كالمجاهد في سبيل الله، فكما أن ذاك على ثغرٍ من الثغور، فهذا أيضاً على ثغرٍ من الثغور، وكما أن المجاهد يقاتل أعداء الله، فهذا يقاتل أعداء الله من الذين يريدون تسيير الشبهات والشهوات، وإغواء الجيل، وانحطاط الأمة، وإيقاعها في حمأة الرذيلة
{وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27] فوجب على الداعية أن يتحلى بما يتحلى به المجاهد، وأن يصابر الأعداء {فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد:4].