{أتى صلى الله عليه وسلم ووقف على الصفا، فجمع الناس فاجتمعوا جميعاً عند الكعبة، فقالوا: لماذا جمعتنا؟ قال: أرأيتم لو أني أخبرتكم أن خيلاً بهذا الوادي تصبحكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً -يقولون: أنت الأمين الصادق- قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا}
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:2] هذا الأمي يعلمهم لا إله إلا الله، قال أبو لهب: تباً لك ألهذا جمعتنا -من أجل هذا الكلام؟ - فأنزل الله {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1].
وفي السيرة أن أبا جهل جمع رؤساء قريش، وذهبوا إلى أبي طالب -عم الرسول عليه الصلاة والسلام- فقالوا: يا أبا طالب، قال: نعم، قالوا: إن ابن عمك هذا سب آلهتنا -يقصدون الأصنام لعنهم الله- {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:5] سب آلهتنا وسفه أحلامنا، وشتم أجدادنا، فماذا يريد ابن عمك هذا؟ ماذا يريد ابن أخيك؟ إن كان يريد ملكاً ملكناه، وإن كان يريد زوجة زوجناه أجمل فتاة، وإن كان مطبوباً -أي: مسحوراً- عالجناه، فقال أبو طالب: أعرض عليه الأمر، والحديث في سنده نظر لكنه من حديث السير، فعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه}.
الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار
أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبار
ورجع عليه الصلاة والسلام يقول: أريد كلمة، قال قائل: أهبك عشر كلمات، ما دام أن كلمة واحدة تصلح ما بيننا وبينك قال: (قل لا إله إلا الله محمد رسول الله) قال: أما هذه فلا، أعوذ بالله {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:35] وقال تعالى: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5].
العربي هذا الذي يفتخرون به، كان يجمع التمر ويعبده، فإذا جاع أكله، وقد روي أن أعرابياً ذهب بلبن يريد أن يضعه بنصب من الحجارة يعبده فلما ذهب باللبن أتى وإذا الثعلب قد بال على هذا الصخر فقال:
أرب تبول الثعلبان برأسه لقد خاب من تبول عليه الثعالب
يقول أهذا إله يدفع، وينفع ويضر؟ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف:194] وذكر الله سبحانه وتعالى: أنها ليس لها أسماع، ولا أبصار، ولا تعي، ولا تضر، ويقول سبحانه وتعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]، وذكر نفسه فقال: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:26 - 27].
وعربي آخر أتى يعبد صنماً اسمه سعد فأتى بأبله حول سعد، يريد أن يصلي لسعد، فلما اقترب خافت الإبل من الصخرة ففرت، قال:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ففرقنا سعد فما نحن من سعد
يقول: أتينا ليجمع علينا الإبل والرحمة، فشردت علينا الإبل منه، أنا لا أريد هذا الإله، عقول ضحكت بها الجاهلية والخرافة.