يقول عليه الصلاة والسلام كما عند أحمد والترمذي بسند صحيح: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} فلماذا لا نربي في نفوسنا عقيدة التوحيد؟ ولماذا لا نأخذ العقيدة التي ندرسها في الطحاوية ومعارج القبول وكتاب التوحيد ونجعلها عملاً وحياةً ورأياً ونصيحة؟ أما أن نحفظها ولا نطبقها فهذا لاينفعنا لا في الدنيا ولا في الآخرة.
أيضاً: يقول عليه الصلاة والسلام لـ ابن عباس: {واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشي لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} وهذا قضاء من الله.
وعند أهل السير حديث ذكره ابن كثير في التفسير عنه عليه الصلاة والسلام أن الله عز وجل قال: {وعزتي وجلالي ما اعتصم بي عبد ثم كادت له السماوات والأرض إلا جعلت له من كيدها فرجاً ومخرجاً، وعزتي وجلالي ما اعتصم بغيري عبد إلا أسخت الأرض من تحت قدميه}.
وهذا بأن يجعل الله عز وجل أمر العبد إليه وأن يكله إلى نفسه؛ لأنه لم يعتمد على الله، ولم يقل كلمة الحق، ولا شجع نفسه، ولا علم أن الخالق والرازق هوالله، وأن الناس لا يملكون ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
العجوز التي دخلت على الحجاج وقد قتل ابنها في أول النهار، ثم أخذها بعد صلاة الظهر وأدخلها عليه وقال: "أتدرين يا فلانة أنا قتلنا ابنك؟ قالت: لو لم تقتله لمات".
فقد قتلته وهذا أجله قضاءً وقدراً من الله.
وأتت الخنساء النخعية في معركة القادسية ومعها أربعة أبناء كأن وجوههم القمر ليلة أربعة عشر، وقد لبسوا أكفانهم، فأخذت الأربعة وقبلتهم وقالت: "يا أبنائي، والله ما خنت أباكم ولا هجنت خالكم، والله إنكم من نسل رجل واحد، وأنتم والله من أحب الناس إلى قلبي، فإذا أتيتم المعركة فيمموا أبطالها، واقصدوا وطيسها، ثم لا تعودوا، فإني ما ادخرتكم إلا لهذا اليوم، فقتلوا جميعاً، فلما أخبروها ضحكت وقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم جميعاً في سبيل الله "، فلله درها ما أجمل تلك العبارات!
ومرض الجبن في الجبناء يكثر بالوهم، وأكثر مرض الناس وَهْمٌ من أحاديثهم وما تفتعله خواطرهم، وما يترصدونه من الحوادث، وما يشعرون له من نقص إيمان، حتى يقول الله عز وجل عند ذلكم الصنف من المنافقين: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:4] فإذا تحرك الباب خاف وأغمي عليه، وإذا سمع طقطقة الأحذية أو أن هناك قراراً يكتب قامت قائمته وثائرته وما نام الليل، وإذا سمع أن هناك تدبيراً تقلب على الفراش، والله يقول لأوليائه: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] فيقول: الإبرام عندنا وفتل الحبال عندنا، وهذه كما يقول أحدهم:
تقضون والفلك المسير ضاحك وتقدرون فتضحك الأقدار
فالحبال تفتل من فوق سبع سماوات، والتقدير من عنده سبحانه فلا ضرر ولا نفع ولا حياة ولا موت إلا من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالى.