إني أشكر من أعماقي هؤلاء الباذلين الكرماء من أمثالكم, الذين كلما صادفت مناسبة خيرة تجد الواحد منهم يخرج الخمسمائة والألف حتى صاحب الريال نشكره, ونسأل الله أن ينفعه برياله، يوم لا ينفع أصحاب الملايين ملايينهم عند الله، فيا سبحان الله! فبعضهم في أي مكان وفي أي بذل تجد ماله تضحيات، والحقيقة أن الواجب علينا أن نبيع أنفسنا وأموالنا ودماءنا من الله، والواحد منا لسان حاله كما عن ابن تيمية , أنه كان يستشهد بهذين البيتين, عندما كانوا يخوفونه ويقولون: إن بعض الكلمات سوف توديك في داهية فيقول:
لترم بي المنايا حيث شاءت فإني في الشجاعة قد ربيت
فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت
فقد علمنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نبيع أنفسنا ودماءنا من الله, لا يرد رءوسنا إذا ما قطعت في سبيله، ولا بارك الله في دمائنا إذا لم تسِل في مرضاته، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى} [التوبة:111] وهناك قصيدة لـ محمد إقبال اسمها: "إن الله اشترى" يقول:
نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى
يقول: كان الناس في أحلام وفي غناء وفي لعب ورقص حتى بعثنا الله.
نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى
حتى هوت سور المعابد سجداً لجلال من خلق الوجود وصورا
ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى
أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيّرا
ومن الذي دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا
احفظ هذه الآية آيتك الوحيدة {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى} [التوبة:111] كلما أتاك تخويف قل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] لذلك يقول ابن القيم: هذا عقد مكتوب السلعة الجنة، والثمن أرواح المؤمنين, والله المشتري، والبائع المؤمنون، والذي أتى بالعقد جبريل والذي وقعه محمد.
أنا قصة من بدر أرسلها الهدى محمد يرويها وجبريل يكتب
هذه قصة المؤمنين وهذه بيعتهم، فالمال والوقت والتعب والدم لله، وأنت عليك أن تعيش لله، والله إني أعرف أن كثيراً من الأشخاص يعيشون للأشخاص ولا يعيشون لله، فيا أسفاه! ويا ندامتاه! ويا خزياه! ويا عاراه! إذا ذهبت ترضي البشر بإغضاب رب البشر! والله لو أعطيت الدنيا وما فيها فلا تعادل غضب الله عليك، فلا تخف إلا من الله, ولا ترجو إلا الله, ولا تتوكل إلا على الله, ولا ترهب إلا الله, ولا تعمل إلا لله, ولا تطلب إلا رضا الله, ولا تخف إلا من عذاب الله؛ فإن الله إذا عاملته كفاك من كل شر، وأما غيره فلن تجد لك من دون الله سلطاناً ولا نصيراً.