الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها المؤمنون! عنوان هذه الخطبة "مدرسة الاستهزاء".
وهي مدرسة قديمة أقامها الأفاكون المارقون ضد الصالحين عبر حقب التاريخ، وقد عاش مرارتها وقسوتها وبأسها رسولنا عليه الصلاة والسلام.
لقد مرغ الأفاكون عرضه في التراب، وشوهوا مسيرته، ونالوا من مبادئه، وأحرقوا وجدانه، فكان يقوم الليالي السود مجروحاً متأثراً شاكياً إلى ربه يقف في وادي نخلة، بعد أن طرده القريب والبعيد، وشوهت سمعته في مكة والطائف، ويشكو إلى الواحد الأحد، ويقول: {اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس.
ثم يقول: إلى من تكلني، إلى بعيدٍ يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن رحمتك أوسع لي، لك العتبى حتى ترضى}.
كل يوم وهو عليه الصلاة والسلام يدافع عن عرضه ونفسه ومبادئه بما استطاع، ويكلُّ أحياناً فيأتي الوحي من السماء، يدمغ أنوف المارقين المستهزئين.