الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً, وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً, وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.
والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
أيها الأخيار فإنني أدعو كل معلم وأستاذ أن يتقي الله عز وجل في أجيال المسلمين, وأن يخلص النية، وأن يصدق مع الله عز وجل في تعليم شباب المسلمين, ولا يظن أنها مجرد وظيفة واستلام راتب وقضاء وقت, لا والله! فالأمر أعظم من ذلك, الأمر رسالة خالدة واتباع للرسول عليه الصلاة والسلام.
إن المعلم كاد أن يكون نبياً من الأنبياء, فإن أتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام وورثة الأنبياء هم الدعاة إلى الله والأساتذة والمعلمون.
فأدعو كل أستاذ إلى أن يكون مربياً متقياً، وأن يعلم أن هذه البلاد تختلف تماماً عن كل بلاد -أقصد من غير بلاد المسلمين- في التعليم والتوجيه, فنحن لسنا في فرنسا ولا أمريكا ولا الصين بل نحن في مهبط الوحي وقبلة المسلمين، وفي بلد الحرمين، نحن في بلاد انبعثت منها لا إله إلا الله, وانطلقت منها الدعوة الخالدة, وخرجت منها الكتائب التي فتحت بلاد الدنيا, وعلمنا يؤخذ من فوق سبع سموات، كتاب وسنة, ونسأل الله ألا نتعلم لغير الأغراض التي يريدها الله عز وجل.
فيا أيها الأستاذ مهما كان تخصصك؛ تاريخاً، أو جغرافيا، أو رياضيات، أو تربية، أو علم نفس، فإنك معلم ومن المأجورين المشكورين في الإسلام, اجعل هذه المادة عبادة، وصلة تصل الشباب بربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى, فإنك -والله- مسئول عن هذا الدرس وعن هذه المادة التي تقدمها عند الله.
لقد أزرى الله عز وجل وندد ببني إسرائيل يوم تعلموا وما استفادوا منه, غضب الله عليهم ولعنهم حيث قال: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] نقول: ما للبركة في أرزاقنا قلَّت؟ ما للشباب -إلا من رحم الله- فسد؟ ما للأجسام أصابها المرض؟ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ، ولو اتقينا الله في تطبيق العلم لرحمنا الله عز وجل.
ووصف الله بني إسرائيل بأنهم كالحمير, تعلموا علماً لكن ما استفادوا منه, حمار يحمل مجلدات ومصنفات، فهل يستفيد الحمار؟! فدماغه دماغ حمار! تكلمه فلا يفهم, قال تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] والآيات والأحاديث تقرأ في الفصل صباحَ مساءَ, ولكن كما قال الله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18].