تقوى الله هي ميزان التفاضل بين الناس

وأما قوله عليه الصلاة والسلام: {ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه} المعنى: إن من اعتمد على نسبه، ولم يعتن بعمله فإنه لا ينفعه ذلك عند الله شيئاً، وأن صاحب النسب العظيم والعمل الحقير لا ينتفع بنسبه، ولا ينفعه عند الله إنما ينفعه العمل.

وكان عليه الصلاة والسلام يقول في الصحيح: {يا بني هاشم! لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم} لأن بعض الناس الآن يعتمد على نسبه، ودائماً في كل مجلس يذكر سلالته، وأنه ابن فلان، وأن أباه فعل وصنع، وجده كذلك، وهذا كما في الأدب المفرد للبخاري بسند حسن: {من افتخر بتسعة آباء في الجاهلية فهو عاشرهم في النار} فبعض الناس دائماً يفتخر على حساب الآخرين بسلالته وبنسبه وبأصالته وبإقليمه وبمنطقته وببلده، وهذا التمييز العنصري الذي قسم العالم الإسلامي وجزأه ما أنزل الله به من سلطان.

أنزل الله عزوجل نسباً عظيماً للأمة وهو: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] رفع بلالاً وجعله أكرم من أبي جهل المخزومي، ومن الوليد بن المغيرة، ومن أمية بن خلف.

وجعل سلمان الفارسي من أهل البيت، ورفع صهيباً وخباباً وابن مسعود، لكن بعض الناس لعدم تصوره لهذا الدين، ولعدم انشراح صدره لهذه الرسالة؛ لا يزال يحمل في رأسه التمييز العنصري على الأجناس والأشخاص، والدول، والأقاليم -أقصد المسلمين- العالم الإسلامي، فتجده يتميز وينحاز، ويظهر التفاخر على الناس؛ لأنه من إقليم كذا، أو من أسرة كذا، أو من قبيلة كذا، وهذا خطأ ومخالف للكتاب والسنة.

لهذا يقول صلى الله عليه وسلم: {يا بني عبد المطلب! أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئاً} والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا} فالنسب الطيب مع الإيمان، خير على خير، أما أن يكون النسب مصدر إزعاج للآخرين وتعالي وتكبر وتفاخر فهذا هو الويل والدمار:

إذا فخرت بآباء لهم شرفٌ نعم صدقت ولكن بئسما ولدوا

إن الفتى من يقول: هأنذا ليس الفتى من يقول: كان أبي

وقال الآخر:

خذ بحد السيف واترك نصله واعتبر حسن الفتى دون الحلل

إلى آخر ما قال.

وأما مجتمع المسلمين الآن فهم بعيدون عن: {من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه} فإن بين الناس أموراً تعارض السنة من ضمنها -وهذه لم يستطع لها أعلم العلماء وأعظم الدعاة حلاً- وهي مسألة النسب، وهذا قبيلي وهذا غير قبيلي، وعدم التزاوج من الصنفين، وهذا الأمر يخالف الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم.

فبعض الأسر جعلت تتناءى أن تتزوج من أسرٍ أخرى أقل نسباً منها، ولو عدنا إلى أصل السند ورأس الشجرة وصلنا كلنا إلى آدم وحواء، فكل هذا العالم -الأحمر والأسود والأشقر- يرجع إلى آدم وحواء {كلكم من آدم وآدم من تراب}.

فهذا الذي يفتخر على الناس يرجع إلى التراب، وما على الإنسان إلا أن يعرف أن الفضل في الإسلام إنما هو بتقوى الله، وليس بغير، وأن من قدم أموراً أخرى كالنسب والمال والجاه والمنصب، إنما هو من قلة فقهه في دين الله عزوجل، ولعدم معرفته بشرعه تبارك وتعالى.

هذا ما لزم في هذا الدرس، وقد انتهى، وبقي بعض الأسئلة، ونسأل الله أن يتولانا وإياكم بعين رعايته، وأن يهدينا وإياكم سبل السلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015