أحد المترجمين يترجمون لـ أبي بن كعب، وهو سيد القراء، من مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] فهو سيد القراء إلى يوم القيامة، وهو رجلٌ من الأنصار دخل الإيمان قلبه، وغرس محمدٌ عليه الصلاة والسلام الإيمان في قلبه، فآتى أكله كل حين بإذن ربه.
تعال يا من نفسه في وبال ونفسه محبوسة في عقال
يا راقداً لم يستفق عندما أذن في صبح الليالي بلال
روض النبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال
سوف يموت الإنسان ويبقى ميتاً حتى يصله النور، لكن نقف مع أبي، كان يقول عنه أهل العلم: كان أبيض اللحية، أبيض الجسم، أبيض الرأس، أبيض الثياب: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ٌ} [النور:35].
ورد في السير للذهبي أنه دعا على نفسه بالحمى، فأصابته الحمى سنوات، وذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ما من مسلم يصيبه هم، ولا نصب، ولا وصب، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه} فقال أبي: اللهم إني أسألك حمى.
كلكم يسمع بالحمى، وهي تفرفر الأضلاع فرفرة، ولا تترك عضواً حتى تدخله، ويقولون: تكفر ثلاثمائة وستين سيئة؛ لأنها تدخل كل عضو.
والحمى من صفاتها أنها لا تأتيك إلا في الليل، أما في النهار فلا تزور، حتى يقول المتنبي:
وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي
قال أبي: [[اللهم إني أسألك حمى لا تعطلني عن فريضة ولا حج ولا جهاد ولا عمرة، لتكفر خطاياي]].
فأصابته الحمى فشاب شعر لحيته ورأسه، وكان يلبس الثوب الأبيض؛ لأنه قارئ من القراء، وفي الموطأ للإمام مالك في كتاب الأدب، قال عمر: [[يعجبني أن يلبس القارئ اللون الأبيض؛ لأنه نور]].
وفي صحيح البخاري في كتاب الأدب، باب لبس البياض، من أين يستدل البخاري، قال: " ورأى سعد ملكين نزلا يوم أحد عليهما الثياب البيض ".
فـ أبيٌ هذا كان لباسه أبيض، وقلبه أبيض، وكلامه أبيض، وحديثه أبيض (نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ).
نقف مع أبي صاحب النور قليلاً، يقول له صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {يا أبي! أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم - وهذا حياء وإلا فهو يدري- قال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] فأخذ صلى الله عليه وسلم بيده، وضرب في صدره، وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر} فهذا علم تحسد عليه.
وفي الصحيحين أن الله عز وجل لما أنزل سورة: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} [البينة:1] أمر رسوله أن يقرأ هذه السورة على أبي بن كعب، فقام عليه الصلاة والسلام وزار أبياً في بيته، وجلس أمامه، وقال: {إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة، قال: وسماني في الملأ الأعلى؟! قال: وسماك، فأخذ يبكي}.