إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
صلى الله على من أخرجنا من الظلمات إلى النور بإذن ربه.
صلى الله وسلم على من علمنا من الجهالة، وبصرنا من العمى، وأنار عيوننا وقلوبنا بعد الظلمة، وأسمع آذاننا بعد الصمم: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2].
أيها المسلمون: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257] ما أدراك ما النور؟ وما هو النور الذي يذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالى؟ وكيف نصل إلى هذا النور؟ وكيف نحصل على هذا النور الذي امتن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى علينا به.
النور في القرآن يذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالى في مواضع عديدة، وفي سور كثيرة، وفي آيات متنوعة، والنور خلق من خلق الله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] فالنور خلقه الله عز وجل، وهو محسوس وملموس، وهو نور معنوي، ونور يتعدد بتعدد ما ينسب إليه، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى في أول سورة البقرة: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17].
والنور هنا هو القرآن، وهؤلاء هم المنافقون الذين يتكلم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عنهم، يوم يضيء لهم الوحي والقرآن والسنة، ثم لا يهتدون بها، مثلهم كمثل قوم مشوا في ظلمة الليل، فأضاءت لهم نار، فلما وقفوا ذهب الله بنورهم ولم يقل بنارهم؛ لأن النور أصل وجود الضياء فذهب من أصله.
وهذا مثل المنافق يوم يهجر الإيمان، والقرآن، والسنة، والمسجد، وأهل الخير -والدعوة- والصلاح، يذهب الله بنوره ويتركه في ظلمة، وسوف نعود ونقرر إن شاء الله أصولاً في باب النور.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في النور: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور >) [البقرة:257] سمى الظلمات جمعاً، وذكر النور مفرداً؛ لأن ظلمات الباطل متعددة، وطرق الباطل متنوعة، والحق واحد، فهو نور واحد.
والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35] سبحانه! قيل: أشرقت بنور وجهه السماوات والأرض، وقيل: قامت بنور وجهه السماوات والأرض، وعلى ذلك دلت السنة.