وفي المسند يقول عليه الصلاة والسلام للصحابة: {سوف يأتيكم وفد من أهل اليمن فيهم رجل صالح له أم هو بها بار، علامته أنه أبرصاً؛ فشافاه الله فبقي في بطنه كالدرهم من البرص اسمه أويس بن عامر القرني، فإذا قدم فمن أدركه منكم فليسأله أن يدعو له, ويستغفر له} فكان أبو بكر كلما قدم وفد من وفود الحجاج من أهل اليمن يسألهم: أفيكم أويس القرني؟ فيقولون: لا.
حتى مات أبو بكر، فلما تولى عمر أخذ يسأل وفود اليمن: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتت حجة، فأتى وفد اليمن يسلمون على عمر رضي الله عنه وأرضاه، فقال: أفيكم أويس بن عامر؟ قالوا: من هذا أويس بن عامر؟ فأخبرهم بوصفه.
قالوا: معنا رجل يرعى لنا الغنم في واد من وديان المدينة تركناه -يعني لعدم النظر إليه، وعدم الاعتداد به، وعدم التهيؤ له، تركوه يرعى الغنم- قال: أله والدة؟ قالوا: نعم.
قال: أصابه برص؟ قالوا: نعم، وشافاه الله.
قال عمر لـ علي بن أبي طالب: قم بنا إلى أويس فركب عمر حماراً، نعم عمر الذي هز دول الدنيا، عمر الذي وفدت كتائبه إلى المحيط الأطلسي، عمر الذي سجل كتب النصر بدماء الشهداء، وهز كسرى وقيصر على منبر الضلالة والعمالة حتى ولاه الله الدنيا، فقام وذهب الصحابة حوله وهو على الحمار، فوصل إلى الوادي وأتى إلى أويس، وإذا أويس يرعى الإبل والغنم وهو يصلي الضحوات، متصل بالله، لا يعرفه إلا الله، لا مال ولا ولد.
خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا
فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا
نزل عمر فرآه فعانقه، وقال: أأنت أويس بن عامر؟ قال: يقولون ذلك -يريد أن يتواضع-.
قال: ألك والدة؟ قال: نعم، قال: اكشف عن بطنك فكشف عن بطنه، فرأى عمر كالدرهم من البرص، فقبَّل بطنه، قال: استغفر لي، قال: من أنت؟ قال: أنا عمر بن الخطاب، قال: لا إله إلا الله، أستغفر لك وأنت عمر، وعمر أفضل منه بلا شك، وعمر أرفع منه، وعمر أمكن منه، لكن هذا لصلاحه طلب منه الدعاء.
قال: استغفر لي، قال: إني أستغفر للمسلمين مع كل صلاة، قال: خصني بدعوة؛ فاستغفر لـ عمر، قال عمر: تعال معي الحياة حياتي، والموت موتي، قال: أسألك بالله أن تتركني أدخل في غمار الناس أجوع وأشبع ولا يعرفني أحد، فتركه عمر، فلما أمسى في الليل ذهب وترك الإبل والغنم، فأخذوا يلتمسونه فما وجدوه، وبعد سنوات وجدوه في خراب من خراب الكوفة وهو يعبد الله ويقرأ القرآن.
وإن أويساً هذا يشفع كما في الحديث وهو حديث حسن؛ يشفع يوم القيامة لمثل قبائل مضر يدخلهم الله الجنة باستغفار هذا وبصلاحه.
هؤلاء هم الصلحاء، وهؤلاء هم الأخفياء، وهؤلاء هم الأغنياء، وهؤلاء هم المقربون من الواحد الأحد.
فيا من قرَّب من شاء من عباده! قرِّبنا، ويا من أسدل الستر على من شاء من عباده! أسدل الستر علينا، اللهم إنا بحاجة ماسة إلى رحمتك، وعفوك، وبرك، وكرمك، اللهم لا تحجب عنا دعاء الصالحين، واحشرنا في زمرة المقربين، واجعلنا من أتباع سيد المرسلين.
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}.
اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن الأصحاب الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم إلى ما تحبه وما ترضاه يا رب العالمين، اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المجاهدين الأفغان وثبتهم وأيد كلمتهم، وارفع رايتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين المسلمين في فلسطين، اللهم رد لهم المقدسات وأنقذها من براثن اليهود يا رب العالمين، اللهم وفقنا للعمل بكتابك والاهتداء بسنة رسولك، اللهم رد شباب المسلمين إليك مرداً جميلاً، اللهم فقههم في الدين، اللهم تب عليهم، اللهم أصلح بالهم، وكفر عنهم سيئاتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.